تشهد سماء المملكة العربية السعودية ومعظم دول النصف الشمالي من الكرة الأرضية غدًا لحظة فلكية فارقة، تتمثل في حدوث الانقلاب الصيفي عند الساعة 05:42 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة، وهي اللحظة التي تعلن رسميًا بداية فصل الصيف وفقًا للتقويم الفلكي.
في هذه اللحظة الفلكية الدقيقة، تكون الشمس عمودية تمامًا فوق مدار السرطان الذي يقع على دائرة عرض 23.5 درجة شمالًا، ما يمثل أقصى ميل ظاهري للشمس نحو الشمال خلال السنة، ويُعد هذا الحدث علامة فارقة في الدورة السنوية للأرض حول الشمس.
ويستمر فصل الصيف لهذا العام، بحسب الحسابات الفلكية، مدة 93 يومًا و15 ساعة و37 دقيقة، ليكون بذلك أحد أطول فصول السنة من حيث عدد الأيام، وينتهي عند حلول الاعتدال الخريفي في 22 سبتمبر المقبل.
ويوضح رئيس الجمعية الفلكية بجدة، المهندس ماجد أبو زاهرة، أن في يوم الانقلاب الصيفي تشرق الشمس من أقصى الشمال الشرقي وتغرب في أقصى الشمال الغربي، ما يجعل ظلال الأجسام عند الظهر في أقل حالاتها طولًا خلال السنة.
ويأخذ المسار الظاهري للشمس أعلى قوس له في السماء نحو الشمال، ويبلغ ارتفاع الشمس ذروته السنوية، خاصة في المناطق الواقعة شمال خط الاستواء، وهو ما يجعل ضوء الشمس أكثر مباشرة وأكثر طولًا من أي يوم آخر خلال العام.
ويُفسَّر الانقلاب الصيفي فلكيًا بوصول الشمس ظاهريًا إلى أقصى نقطة شمالية في السماء، وهو ما يتزامن مع وجود الأرض في موقع معين من مدارها حول الشمس، يكون فيه محورها مائلًا بزاوية قدرها 23.5 درجة نحو الشمس.
هذا الميل هو ما يتسبب في أطول نهار وأقصر ليل في السنة بالنصف الشمالي من الأرض، بينما في الوقت نفسه يكون الوضع معكوسًا تمامًا في نصف الكرة الجنوبي حيث يحدث الانقلاب الشتوي هناك.
ويضيف أبو زاهرة أن هذا الحدث لا يتكرر في نفس اليوم كل عام، بل يتراوح حدوثه بين 20 و22 يونيو، بسبب الفارق بين طول السنة التقويمية (365 يومًا) والسنة المدارية الفعلية (365.2422 يومًا)، وهو فارق يتطلب إضافة يوم كبيس كل أربع سنوات لضبط التقويم.
وتؤثر أيضًا في هذا التغير السنوي عوامل فلكية دقيقة، منها قوى الجذب المتبادلة بين الأرض والقمر والكواكب الأخرى، وكذلك التذبذبات الطفيفة في حركة دوران الأرض حول محورها.
ويُفرّق العلماء بوضوح بين "الصيف الفلكي" الذي يبدأ مع الانقلاب الصيفي، و"الصيف المناخي" الذي يعتمده خبراء الأرصاد الجوية ويمتد من 1 يونيو إلى نهاية أغسطس، إذ يعتمد الأول على موقع الشمس والثاني على بيانات الطقس والمناخ.
ومن المثير للاهتمام أن يوم الانقلاب الصيفي، رغم كونه أطول أيام السنة من حيث عدد ساعات ضوء الشمس، إلا أنه لا يمثل بالضرورة أكثر أيام السنة حرارة، وهو أمر قد يبدو غير منطقي في الظاهر.
ويُعزى هذا التأخر في الشعور بأقصى درجات الحرارة إلى ظاهرة تُعرف باسم "التأخر الموسمي"، حيث تحتاج المحيطات واليابسة والغلاف الجوي إلى وقت لامتصاص الطاقة الشمسية ثم إعادة بثها، ولذلك غالبًا ما تسجل أعلى درجات الحرارة في يوليو أو أغسطس.
ويحمل هذا اليوم أهمية تاريخية أيضًا، فقد عرفه ودرسه علماء الفلك القدماء منذ آلاف السنين، وعلى رأسهم العالم اليوناني الشهير إراتوستينس، الذي استغل يوم الانقلاب الصيفي لحساب محيط الأرض بدقة مذهلة باستخدام أدوات بسيطة.
ومع عبور الشمس قمة رحلتها الظاهرية نحو الشمال، تبدأ بعد الانقلاب الصيفي مباشرة بالتحرك تدريجيًا نحو الجنوب في السماء، ما يعني أن ساعات النهار ستبدأ بالتناقص بشكل يومي حتى نصل إلى موعد الاعتدال الخريفي القادم.
وهكذا، فإن الانقلاب الصيفي لا يمثل فقط حدثًا فلكيًا مذهلًا، بل هو أيضًا فصلٌ من فصول الحكاية الكونية التي تحكيها الأرض في دورانها الأزلي حول الشمس، وتنعكس آثارها في تفاصيل الضوء والظل، والنهار والليل، والبرد والحر.