يبدأ اليوم السبت رسميًا فصل الصيف فلكيًا في المملكة العربية السعودية، وذلك تزامنًا مع حدوث الانقلاب الصيفي، الظاهرة التي تشهدها الكرة الأرضية سنويًا، عندما تكون الشمس في أقصى نقطة لها شمال خط الاستواء، وتحديدًا عند مدار السرطان الذي يمر بأجزاء من المملكة.
ويُعد الانقلاب الصيفي علامة فاصلة في التقويم الفلكي، إذ يتزامن مع أطول نهار وأقصر ليل في السنة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وتبدأ معه مرحلة الصيف الفلكي، الذي يستمر عادة لنحو 93 يومًا، حتى حلول الاعتدال الخريفي في 22 سبتمبر المقبل.
وفي هذا اليوم، تتعامد أشعة الشمس مباشرة على المناطق الواقعة قرب مدار السرطان، وهو ما يؤدي إلى ما يعرف بـ"انعدام الظل" عند الظهر، وهي ظاهرة نادرة نسبيًا تحدث عندما تكون الشمس عمودية تمامًا على الرأس، فلا يُرى للجسم أي ظل في الأرض.
وتُسجل هذه الظاهرة بوضوح في مناطق مثل نجران وأجزاء من جنوب الرياض وعسير وجازان، حيث تمر الشمس مباشرة في كبد السماء في وقت الظهيرة، ما يجعل أي جسم رأسي لا يُظهر ظله، وتُعد من أهم العلامات الفلكية التي يمكن مشاهدتها بالعين المجردة.
وتزامنًا مع هذا التعامد، تشهد درجات الحرارة ارتفاعًا ملحوظًا، نتيجة لتعامد الأشعة الشمسية بشكل مباشر وقوي على سطح الأرض، ما يزيد من الإشعاع الحراري، ويؤدي إلى طقس شديد الحرارة في مختلف مناطق المملكة، خاصة في الأجزاء الداخلية.
وحذّرت هيئة الأرصاد الجوية من التعرض المباشر لأشعة الشمس خلال ساعات الذروة، خصوصًا من الساعة 11 صباحًا وحتى الثالثة عصرًا، مؤكدة أن درجات الحرارة قد تتجاوز 45 درجة مئوية في بعض المناطق، ما يتطلب اتباع إجراءات الوقاية وتجنب الإجهاد الحراري.
وتُمثل هذه الظاهرة الفلكية فرصة تعليمية لطلاب الفلك ومحبي الظواهر الطبيعية، إذ تتيح فهمًا عمليًا لحركة الأرض حول الشمس، وتساعد أيضًا في تحديد اتجاه القبلة في بعض المناطق بدقة كبيرة من خلال تتبع موقع الشمس والظل وقت الظهر.
ويُشدد خبراء الأرصاد والفلك على أن الانقلاب الصيفي ليس مجرد لحظة عابرة، بل هو بداية لفترة من التغيرات الجوية التي تشمل ازدياد درجات الحرارة، وطول ساعات النهار، واضطراب في الرياح الموسمية، وقد يصاحبه تشكل سحب ركامية في بعض المرتفعات الجنوبية.
ومن الناحية العلمية، يُعرف الانقلاب الصيفي بأنه اللحظة التي تصل فيها الشمس إلى أقصى ميل لها شمالاً بنسبة 23.5 درجة، مما يعني أنها تُضيء النصف الشمالي من الأرض بشكل أكبر، ويتراجع تأثيرها في النصف الجنوبي حيث يبدأ فصل الشتاء هناك.
وتعتبر المملكة العربية السعودية من الدول التي تمر عبرها هذه الظواهر الفلكية بشكل واضح نتيجة موقعها الجغرافي بين مداري السرطان وخط الاستواء، ما يجعل انعدام الظل ظاهرة سنوية يمكن تتبعها وتسجيلها بدقة كبيرة في عدة مناطق.
وتحرص مراكز الفلك والهواة في المملكة على توثيق هذه اللحظة كل عام، من خلال الرصد المباشر بالعين المجردة، والتصوير الفلكي، كما تُنظّم بعض الفعاليات التوعوية لنشر الثقافة الفلكية وربط العلوم النظرية بالمشاهدات الواقعية.
ومع دخول فصل الصيف رسميًا، تبدأ الاستعدادات الحكومية والمجتمعية لمواجهة الظروف المناخية القاسية، خصوصًا في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة، التي تواجه عادة ضغطًا كبيرًا في ظل ارتفاع استهلاك الطاقة وزيادة معدلات التبريد.
وتوصي الجهات المختصة بالابتعاد عن الأنشطة الخارجية في أوقات الذروة، خاصة للأطفال وكبار السن وذوي الأمراض المزمنة، مع أهمية استخدام وسائل الوقاية مثل القبعات والنظارات الشمسية، وتناول كميات كافية من السوائل للوقاية من ضربة الشمس.
وتستمر هذه الظاهرة ليوم واحد فقط في كل منطقة من مناطق التعامد، لكنها تُعد مؤشرًا فلكيًا دقيقًا على تغير الفصول، وتذكيرًا علميًا بدقة الحسابات الفلكية التي تعتمد عليها المملكة في تنظيم التقويم وتحديد بداية المواسم والمناسبات.