في خطوة جديدة نحو تعزيز الخدمات الصحية الرقمية، أعلن تجمع مكة المكرمة الصحي عن تدشين مشروع "مستشفى مكة الافتراضي"، الذي يتم تنفيذه عبر مدينة الملك عبدالله الطبية، ويُعد المشروع أحد أبرز المبادرات الداعمة لتطوير الرعاية التخصصية في المنطقة، ويأتي ضمن مستهدفات التحول الوطني الطموحة تحت مظلة رؤية المملكة 2030، التي تضع تطوير القطاع الصحي في صدارة أولوياتها.
ويمثل المستشفى الافتراضي نقلة نوعية في نموذج تقديم الرعاية الطبية، إذ يسهم في تسهيل وصول المستفيدين إلى خدمات تخصصية دون الحاجة إلى الانتقال الفعلي إلى المرافق الصحية، مما يعزز الكفاءة التشغيلية ويقلل من الضغط على المستشفيات، ويُعد هذا التوجه استجابة مباشرة للتحديات المتزايدة في قطاع الرعاية الصحية، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية أو خلال مواسم الذروة مثل موسم الحج.
وأشار تجمع مكة المكرمة الصحي إلى أن المستشفى يُعد امتدادًا لمبادرة "مستشفى صحة الافتراضي"، التي أطلقتها وزارة الصحة لتوسيع نطاق الرعاية الصحية الرقمية في مختلف مناطق المملكة، موضحًا أن المشروع الحالي يقدم أكثر من 60 عيادة افتراضية أسبوعيًا، ويجري العمل على رفع هذا العدد إلى 100 عيادة في الفترة القريبة، وذلك لتلبية الطلب المتزايد على الخدمات المتخصصة.
ومنذ بداية عام 2025، سجّلت العيادات الافتراضية أكثر من 14,200 زيارة طبية عن بُعد، وهو ما يعكس تنامي ثقة المستفيدين في هذا النموذج الحديث من الرعاية الصحية، ويعزز من جدواه في تقديم حلول طبية فعالة وآمنة وسريعة، مع ضمان استمرارية الخدمة على مدار الأسبوع.
ويشمل المستشفى الافتراضي عددًا من المبادرات المتقدمة، من أبرزها خدمة "المتابعة الذكية لمرضى قصور عضلة القلب"، التي تُدار عبر أجهزة تقنية قابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، وأجهزة قياس الضغط والوزن المنزلية، ما يمكّن الأطباء من متابعة المؤشرات الحيوية للمريض بشكل لحظي ودقيق، ويتيح استجابة طبية فورية في حال حدوث أي تغيرات طبية طارئة.
وقد تم تطبيق هذه التقنية بنجاح خلال موسم الحج الماضي، حيث تم مراقبة حالات لعدد من الحجاج عن بُعد، مما ساهم في رفع جودة الرعاية الطبية المقدمة، وتوفير استجابة عاجلة في الوقت المناسب، وهو ما يعكس قدرة هذه التقنيات على دعم إدارة الحشود في المواسم ذات الطبيعة الخاصة.
وتضمن المشروع كذلك تفعيل تقنية Tele-ICU، التي تتيح ربط مستشفى مكة الافتراضي بعدد من المستشفيات في المنطقة، منها مستشفى الولادة والأطفال ومستشفى أجياد، لتوفير مراقبة دقيقة ومستدامة للحالات الحرجة، مع تقديم الدعم الطبي اللازم للفرق المتخصصة في تلك المواقع، بما يسهم في تعزيز تكامل الرعاية الصحية في المنطقة.
وفي سياق التطوير المستمر، يجري العمل على ربط المستشفى الافتراضي بأقسام قسطرة القلب في مستشفيات منطقة مكة، بما يسرّع عملية تقييم الحالات القلبية الحرجة، ويمكن الأطباء من اتخاذ قرارات تداخلية دقيقة في الوقت المناسب دون الحاجة لنقل المرضى، وهو ما يقلل المخاطر المحتملة، ويوفر الوقت والجهد على الطواقم الطبية والمستفيدين.
كما يتم الإعداد لتفعيل الاجتماعات الافتراضية متعددة التخصصات، والتي تهدف إلى مناقشة حالات الأورام المعقدة، وتقديم رأي طبي جماعي في تشخيص وعلاج هذه الحالات، مما يعزز من دقة القرار الطبي ويدعم فرص التعافي لدى المرضى، مع ضمان تبادل المعرفة والخبرة بين المختصين بمختلف مجالاتهم.
ويجري أيضًا تطوير مسار افتراضي للتعامل مع حالات الجلطات الدماغية، وذلك من خلال العيادات الرقمية وغرف الطوارئ المتصلة عن بُعد، ما يمكّن الفرق الطبية من تقييم الحالات خلال دقائق معدودة، واتخاذ القرار العلاجي المناسب في الوقت الحرج، مما يزيد فرص النجاة ويقلل الآثار طويلة المدى.
وأكد تجمع مكة الصحي أن إطلاق هذا المشروع يأتي ضمن استراتيجية شاملة لتحول نموذج الرعاية، من النمط التقليدي إلى النموذج الوقائي والاستباقي، الذي يعتمد على المراقبة المستمرة، والتدخل المبكر، والحد من تفاقم الحالات الصحية، مع تحسين جودة الحياة وتقليل الحاجة إلى التنويم الطويل في المستشفيات.
وأضاف أن هذه المبادرات من شأنها رفع كفاءة استغلال الموارد الطبية، وتوجيه الجهود نحو تحسين تجربة المستفيدين، من خلال تقديم خدمات طبية عالية الجودة يمكن الوصول إليها بسهولة وفي الوقت المناسب، وهو ما ينسجم مع مستهدفات التحول الصحي الوطني الرامية إلى بناء منظومة صحية متكاملة.
وتُعد مواسم الحج والعمرة من أبرز التحديات التشغيلية التي تواجه منظومة الصحة في مكة، حيث تتطلب هذه المواسم تجهيزات استثنائية، واستعدادًا عاليًا للتعامل مع أعداد كبيرة من الزوار، وتُسهم الحلول الرقمية مثل المستشفى الافتراضي في تحسين سرعة الاستجابة وتوفير الدعم الفوري في الحالات الطارئة.
وأوضح المسؤولون أن مشروع المستشفى الافتراضي يتضمن قاعدة بيانات رقمية تُمكن الأطباء من تتبع تطورات الحالة الطبية للمريض بصورة مستمرة، وتوفر مؤشرات دقيقة يمكن الاستناد إليها في اتخاذ القرار العلاجي السريع، ما يعزز من فرص التدخل الفعال قبل تفاقم الحالة.
ولم يغفل المشروع جانب الخصوصية وحماية بيانات المرضى، حيث تم تجهيز المنصة الرقمية وفق أعلى معايير الأمان السيبراني، بما يضمن سرية المعلومات وتداولها فقط بين الأطراف المخولة، في إطار بيئة رقمية آمنة ومتقدمة.
ويواصل تجمع مكة الصحي تطوير البنية التحتية الرقمية لقطاع الصحة في المنطقة، عبر توسيع الربط بين المستشفيات والمراكز التخصصية، مع اعتماد أحدث التقنيات الطبية، مما يعكس التزامه برفع كفاءة الأداء، وتحقيق مستهدفات رؤية 2030 في التحول الرقمي والارتقاء بالخدمات الصحية.