مع اقتراب موسم الحج لهذا العام، تتجدد الجهود وتتسارع الابتكارات في سبيل تقديم تجربة استثنائية لضيوف الرحمن، تليق بمكانة المملكة الريادية في خدمة الحرمين الشريفين، ويبرز في قلب هذه الجهود التحول الرقمي بوصفه ركيزة أساسية تعزز كفاءة الأداء وتُسهم في تحسين جودة الخدمات.
وقد أصبحت المدينة المنورة، بوصفها محطة الوصول الأولى للآلاف من الحجاج من شتى بقاع الأرض، نموذجًا حيًا لهذا التحول النوعي، حيث بات الزائر يلمس حضورًا لافتًا للحلول التقنية المتقدمة التي تُسهّل رحلته منذ لحظة الوصول وحتى المغادرة.
ومع كل موسم، تُطلق الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الحج والعمرة والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، مجموعة من التحديثات الذكية والخدمات الرقمية التي تعكس التزام المملكة بتوظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة الحاج، وتقديم تجربة تتسم بالسهولة والانسيابية.
وقد شملت هذه الخدمات الرقمية مجالات متعددة، بدءًا من الإرشاد الذكي، وإدارة الحشود، وتوفير المعلومات الفورية بعدة لغات، إلى تنظيم مواعيد الزيارات، وتسهيل التنقل والإقامة، وتوفير خدمات الرعاية الصحية بشكل دقيق وسريع.
ومن أبرز المنصات الرقمية التي أثبتت نجاحها في مواسم الحج الماضية، منصة "نسك"، التي تتيح للحجاج حجز مواعيد زيارة الروضة الشريفة وأداء الصلاة فيها، وفق جدول يتماشى مع الطاقة التشغيلية اليومية للموقع، مما قلل من فترات الانتظار، وساهم في منع الازدحام، وضمن للحاج زيارة أكثر تنظيمًا وطمأنينة.
كما أتاحت المنصة خدمات تخطيط الزيارة، وإصدار التصاريح، وحجز الخدمات، في بيئة رقمية موحدة سهلة الاستخدام.
وفي جانب الرعاية الصحية، لعبت التطبيقات الذكية مثل "توكلنا" دورًا كبيرًا في تسهيل الوصول للخدمات الطبية، من خلال تحديد مواقع المراكز الصحية القريبة، وحجز المواعيد، وتقديم الطلبات الطارئة، وهو ما مكّن الجهات الصحية من تقديم خدمات دقيقة واستباقية، عكست قدرة المملكة على الجمع بين الاحترافية الصحية والدقة التكنولوجية في موسم يشهد كثافة بشرية عالية.
كما أُطلقت تطبيقات متخصصة في الإرشاد والتنقل، وفّرت للزوار خرائط تفاعلية دقيقة توضح مداخل ومخارج المسجد النبوي، ومواقع الحافلات، والمعالم الإسلامية، مثل مسجد قباء وجبل أحد، ما ساهم في تسهيل تنقل الحجاج، وتقليل معدلات فقدان الطريق أو الازدحام، مع إمكانية الوصول إلى المعلومات بلغة الحاج، من خلال أدوات الترجمة الفورية والذكاء الاصطناعي.
وتُعد تقنيات الذكاء الاصطناعي من أبرز الإضافات النوعية لهذا الموسم، حيث أُدرجت في عدد من المنصات لتقديم المساعدة التفاعلية للحجاج، عبر الرد الفوري على الاستفسارات حول أداء المناسك، والتعليمات، والإجراءات، وتنظيم الوقت، بلغة يفهمها الحاج أينما كان، ما منح تجربة أكثر تفاعلًا واطمئنانًا.
وتؤكد وزارة الحج والعمرة أن هذه المنصات تخضع للتحديث المستمر، استنادًا إلى تحليلات بيانات الاستخدام، وملاحظات الحجاج والمستفيدين، في خطوة تعكس مرونة النظام الرقمي واستعداده لمواكبة تطلعات الزوار عامًا بعد عام.
ويُعد هذا التحول الرقمي شاهدًا عمليًا على رؤية المملكة 2030، التي تضع ضمن أولوياتها تحسين تجربة ضيوف الرحمن، وتحقيق أعلى معايير التميز في خدمات الحج والعمرة.
ومع هذا التقدم، لم يعد الاعتماد على الحلول الرقمية خيارًا تكميليًا، بل أصبح ضرورة أساسية ضمن منظومة متكاملة لإدارة موسم الحج بكفاءة عالية، تجمع بين روحانية المكان وقدسية المناسبة، وبين الابتكار التقني الحديث، في تجربة فريدة تعكس الوجه الحضاري المتقدم للمملكة، وحرصها على أن يكون موسم الحج رحلة إيمانية خالصة، مفعمة بالطمأنينة والراحة.