مع إشراقة صباح أول أيام شهر ذي الحجة من العام 1446هـ، شهدت باحات المسجد الحرام في مكة المكرمة مشاهد روحانية مهيبة، وثّقتها عدسات الإعلام في مشهدٍ يعكس عظمة هذا الموسم المبارك، حيث امتلأ صحن الطواف بالآلاف من ضيوف الرحمن الذين توافدوا من شتى بقاع الأرض، مرددين التلبية والدعاء، في أجواء إيمانية خاشعة، وسط منظومة متكاملة من الخدمات الأمنية والتنظيمية والصحية التي وفّرتها الجهات ذات العلاقة بالحج.
ورصد مقطع مصور بثّته "قناة الإخبارية" السعودية منذ الصباح الباكر، الكثافة الكبيرة التي شهدها المسجد الحرام في أول أيام موسم الحج، حيث يظهر الحجيج وهم يؤدون طواف القدوم بانسيابية ملفتة، وتنظيم دقيق، يعكس مدى الجاهزية العالية التي وصلت إليها المملكة في إدارة حشود الملايين داخل الحرم الشريف، دون أن يؤثر الزحام على أجواء السكينة والروحانية التي غمرت المكان.
ويأتي هذا المشهد ضمن الجهود المباركة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة الحجيج، حيث جرى التنسيق المسبق بين عدد من الجهات الحكومية والأمنية والصحية والخدمية لضمان تقديم أرقى مستوى من الخدمات لضيوف الرحمن، بداية من دخولهم إلى المملكة، ووصولاً إلى أداء مناسكهم بيسر وطمأنينة.
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد جاهزيتها الكاملة لموسم الحج لهذا العام، حيث قامت بتأهيل وتجهيز أكثر من 25 ألف مسجد في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وذلك ضمن خطة شاملة تهدف إلى توفير بيئة روحانية آمنة ومريحة للحجاج والمصلين.
كما تضمنت جهود الوزارة هذا العام توزيع ما يزيد على 2.5 مليون نسخة من المصحف الشريف، بمختلف الأحجام والترجمات، لتكون في متناول الحجاج في مواقعهم المختلفة، إلى جانب توفير 1.3 مليون بطاقة تعريفية رقمية تحتوي على رموز (QR) تُسهّل الوصول إلى المكتبة الإسلامية الإلكترونية التي تتيح للحاج مجموعة ضخمة من الكتب، والمحاضرات، والفتاوى، والمعلومات التوعوية بلغات متعددة، وهو ما يعكس نقلة نوعية في استخدام التقنية لخدمة التوعية الدينية في موسم الحج.
وتعمل وزارة الشؤون الإسلامية كذلك على تشغيل آلاف الدعاة والمرشدين من ذوي الكفاءات الشرعية العالية، المنتشرين في مواقع متعددة داخل الحرمين الشريفين والمشاعر، للإجابة على أسئلة الحجاج، وتقديم الإرشادات الدينية المتعلقة بمناسك الحج، بأسلوب علمي مبسط يراعي اختلاف الثقافات واللغات.
في المقابل، تولت الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تنفيذ خطة تشغيلية موسمية تتضمن تنظيم دخول وخروج الحشود، والتأكد من انسيابية الحركة داخل صحن الطواف والمسعى والمصليات، كما وُزعت فرق ميدانية على مدار الساعة لمتابعة مستوى النظافة والتعقيم، وتقديم الخدمات التوجيهية والإرشادية، وتوزيع مياه زمزم في عبوات فردية وفق أعلى معايير السلامة.
وقد لاحظ الزوار منذ دخولهم إلى المسجد الحرام وجود منظومة متكاملة من التيسيرات تبدأ من بوابات الدخول، مرورًا بالمصاعد والسلالم الكهربائية، والمظلات الواقية، والمقاعد المتحركة لكبار السن، إلى جانب الترجمة الفورية لخطب الجمعة والدروس، وخدمات الإرشاد الصوتي والمرئي، مما يعكس اهتمام القيادة الرشيدة بتفاصيل تجربة الحاج والزائر على حد سواء.
وتُعد مشاهد الحجيج وهم يطوفون حول الكعبة المشرفة وسط تلك الأجواء الروحانية، التي يتعانق فيها الدعاء مع دموع الخشوع، أكبر شاهد على نجاح التخطيط والتنظيم، وعلى حجم الجهود المبذولة في سبيل ضمان راحة ضيوف الرحمن، وهي الجهود التي تتجدد كل عام، مدفوعة بشرف خدمة الحجيج الذي تتشرف به المملكة قيادة وشعبًا.
ويُنتظر أن تواصل كثافة الحشود تزايدها خلال الأيام المقبلة، مع اقتراب يوم التروية ثم الوقوف بعرفة، وهي مراحل تتطلب أعلى درجات التنسيق بين جميع القطاعات المشاركة في أعمال الحج، بما يضمن تحقيق السلامة والانسيابية، إلى جانب المحافظة على الأجواء الإيمانية المميزة التي تُعد من أبرز سمات هذا الموسم العظيم.
وتؤكد مختلف القطاعات أن أعمال المتابعة والتنسيق الميداني مستمرة لحظة بلحظة، وأن غرف العمليات المشتركة تتابع مجريات الحركة في جميع المسارات، مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي وكاميرات المراقبة الذكية، مع جاهزية تامة للتدخل الفوري في حال حدوث أي طارئ، وهو ما يمنح الحجاج إحساسًا بالاطمئنان والثقة في أن رحلتهم إلى بيت الله الحرام ستتم بأمان تام.