في خطوة تعكس التحول في مسار العلاقات العربية–العربية، أعلن صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، أن المملكة العربية السعودية وبالتعاون مع دولة قطر ستقدمان دعمًا ماليًا مشتركًا للعاملين في القطاع العام في سوريا، في إطار جهود عربية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والإنساني في البلاد التي أنهكتها الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده الأمير فيصل بن فرحان مع نظيره السوري، حيث أكد أن هذا الدعم يأتي في سياق رؤية شاملة تدفع باتجاه ترسيخ استقرار سوريا، وإتاحة الفرصة للشعب السوري للنهوض من جديد، موضحًا أن إعادة إعمار سوريا "لن تُفرض من الخارج، بل سيكون السوريون هم من سيقودون عملية الإعمار، لأنهم الأدرى بمقدراتهم وأولوياتهم".
وثمّن وزير الخارجية السعودي استجابة الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لرفع العقوبات المفروضة على سوريا، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة جاءت عقب وساطة ناجحة قادها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الذي وُصف بالداعم الأول للمبادرات الإنسانية والاقتصادية الرامية إلى استقرار المنطقة.
وأكد الأمير فيصل أن المملكة تتطلع إلى بناء شراكة استراتيجية متينة مع سوريا، قوامها التعاون في الملفات الاقتصادية والتنموية، إلى جانب دعم المؤسسات السورية، وتمكين السوريين من استعادة دورة الحياة الطبيعية. وقال في هذا الصدد: "نريد رؤية سوريا في موقعها الطبيعي ومكانتها الإقليمية، وجهودنا الدبلوماسية ووساطتنا لرفع العقوبات تأتي تأكيدًا على أواصر الأخوة العربية".
وأضاف الوزير أنه استعرض مع الرئيس السوري أحمد الشرع عددًا من الملفات الثنائية والإقليمية، وناقش فرص تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين.
وأكد أن المملكة حريصة على أن تكون شريكًا فاعلًا في مستقبل سوريا، وأن جهودها الدبلوماسية تنطلق من التزامها الثابت بدعم أمن واستقرار الدول العربية.
وفي تصريح يعكس توجهًا سعوديًا واضحًا لدعم وحدة وسيادة الأراضي السورية، شدد بن فرحان على أهمية الحفاظ على سيادة سوريا واستقلال قرارها السياسي، قائلاً: "السوريون أمامهم فرصة تاريخية لبناء وطنهم بإرادتهم، والمملكة ستظل في مقدمة الداعمين لهذا المسار، وستوفر كل أشكال الإسناد الممكنة".
وأوضح وزير الخارجية أن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان قد وجّه بتقديم كافة أشكال الدعم إلى سوريا، سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، في إطار دور المملكة الريادي في الوقوف إلى جانب الأشقاء العرب، ومبادراتها المتواصلة للمّ الشمل العربي وتعزيز الاستقرار في المنطقة.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه التحركات الإقليمية الهادفة لإعادة دمج سوريا في محيطها العربي والدولي، بعد سنوات من العزلة السياسية، في ظل مؤشرات على رغبة دولية في طي صفحة الصراع والانخراط في مسار إعادة الإعمار والمصالحة.
وبينما لم تصدر تفاصيل دقيقة بعد عن طبيعة الدعم المالي المشترك، فإن الإعلان بحد ذاته يُعد مؤشراً قوياً على تحول نوعي في التعامل مع الملف السوري، خاصة في ظل الاصطفاف السعودي-القطري، الذي يمثل ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا في المنطقة.
ويُنظر إلى هذه المبادرة على أنها خطوة في اتجاه استعادة سوريا لمكانتها الطبيعية داخل المنظومة العربية، بدعم من الرياض، التي طالما أكدت أن استقرار سوريا هو جزء لا يتجزأ من استقرار المنطقة برمتها.