ميناء نيوم
ميناء نيوم يستقبل أولى رافعاته الآلية بالكامل.. بداية التحول إلى ميناء المستقبل
كتب بواسطة: محمد بن سالم |

في خطوة نوعية تعكس التحول الجذري في مفاهيم اللوجستيات والموانئ الذكية، استقبل ميناء نيوم، الواقع في مركز "أوكساچون" الصناعي والخدمي، الدفعة الأولى من الرافعات الجسرية المؤتمتة بالكامل (STS)، والتي يتم التحكم بها عن بُعد، إلى جانب رافعات جسرية إلكترونية ذات إطارات مطاطية (eRTG)، وذلك ضمن استراتيجية شاملة تسعى لتأسيس أول ميناء مؤتمت بالكامل في المملكة العربية السعودية، وواحد من أكثر الموانئ تقدمًا على مستوى العالم.

ويمثل وصول هذه المعدات المتقدمة، الأولى من نوعها على مستوى المملكة، نقلة نوعية في عمليات مناولة الحاويات والبضائع، إذ ستسهم بشكل مباشر في تسريع وتيرة العمل بدقة عالية وكفاءة تشغيلية استثنائية، ما يدعم طموحات ميناء نيوم لأن يصبح مركزًا عالميًّا للتجارة الذكية والمستدامة، يربط بين الشرق والغرب عبر واحد من أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، وهو البحر الأحمر.

ويُتوقع أن تُحدث هذه الرافعات المؤتمتة تحولًا جذريًا في آلية العمل داخل الميناء، إذ تتيح للمشغلين التحكم الكامل في عمليات المناولة من غرف تحكم آمنة ومريحة، بما يعزز من الإنتاجية، ويقلل من التكاليف والمخاطر، ويؤسس لبيئة عمل حديثة تراعي سلامة العاملين وجودة الأداء في آن واحد.

وتأتي هذه الخطوة تماشيًا مع خطة ميناء نيوم لتطبيق استراتيجية الأتمتة الشاملة، التي تشمل نظام النقل الأفقي المؤتمت بالكامل، والمتوقع تشغيله بالتزامن مع افتتاح محطة الحاويات المتطورة رقم (1) في عام 2026، وهو ما سيجعل من نيوم أول ميناء في المنطقة يعمل بأنظمة ذاتية مناولة متكاملة.

وبحسب تصريحات المدير العام لميناء نيوم، شون كيلي، فإن وصول هذه المعدات يمثل "مرحلة مفصلية" في تطوير الميناء، مشيرًا إلى أن الميناء لن يكون مجرد نقطة استقبال وتفريغ، بل بوابة تجارية متقدمة تضع معايير جديدة للأداء والابتكار، وتساهم في تسريع التنمية الصناعية في شمال غرب المملكة، وتوسيع آفاق التبادل التجاري للمملكة مع العالم.

وفي هذا السياق، اكتملت أعمال إنشاء رصيف بطول 900 متر، وتعميق قناة الميناء إلى 18.5 مترًا، ما يُمكّن الميناء من استقبال أكبر السفن العابرة لقناة السويس، مما يعزز قدرته على المنافسة ويجعله محطة رئيسية في سلاسل الإمداد العالمية.

ولم تقتصر الاستثمارات في البنية التحتية على الجانب التقني فحسب، بل شملت أيضًا تأهيل الكوادر البشرية السعودية، حيث أطلق ميناء نيوم برنامجًا تدريبيًا مبتكرًا يستهدف إعداد جيل جديد من السعوديات في الوظائف التقنية المتقدمة، مثل التحكم عن بُعد في تشغيل الرافعات، في خطوة غير مسبوقة في قطاع اللوجستيات والصناعة.

وتخضع حاليًا عشر شابات سعوديات من منطقة تبوك لتدريب مكثف يستمر لعامين، يجمع بين الجوانب النظرية والعملية، ضمن بيئة تعليمية تفاعلية تهدف إلى تأهيلهن لمناصب فنية متقدمة في تشغيل المعدات الثقيلة والأنظمة الذكية.

وأعربت المتدربة هاجر العطاوي عن فخرها بالمشاركة في البرنامج، مؤكدة أن "لوجستيات الموانئ أكثر تعقيدًا مما يظنه البعض، فهي تتطلب تنسيقًا عاليًا ومهارات دقيقة"، وأضافت: "انضمام النساء لهذا المجال يمنحني الأمل في مستقبلٍ أكثر إنصافًا، حيث تُبنى الفرص على الكفاءة وليس النوع".

ويؤكد هذا التوجه أن ميناء نيوم لا يهدف فقط إلى بناء منشأة متقدمة تقنيًا، بل أيضًا إلى إنشاء منظومة لوجستية متكاملة تُعزز الاقتصاد الوطني، وتدفع نحو تنويع مصادر الدخل، وتتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تضع الابتكار والاستدامة في صلب التحول الاقتصادي.

ومع استمرار أعمال التطوير، والتحول السريع نحو الأتمتة، والاستثمار في رأس المال البشري، يبدو أن ميناء نيوم في طريقه لترسيخ موقعه كأحد أهم الموانئ العالمية الذكية، التي لا تكتفي بمواكبة التغيرات، بل تسهم في صياغة مستقبل جديد لصناعة اللوجستيات في الشرق الأوسط والعالم.