بدأ حجاج بيت الله الحرام بعد غروب شمس هذا اليوم التاسع من شهر ذي الحجة في التحرك صوب مشعر مزدلفة، حيث يتجمع الحجيج بعد إتمامهم الوقوف على صعيد عرفات، والذي يمثل الركن الأعظم من أركان الحج، وقد جرت عملية النفرة إلى مزدلفة بانسيابية وانتظام بفضل الترتيبات الدقيقة التي أعدّتها حكومة خادم الحرمين الشريفين، ممثلة في الجهات المعنية بتنظيم شؤون الحج، والتي وفّرت مختلف الخدمات المتكاملة، والتدابير الوقائية والصحية، لضمان أداء ضيوف الرحمن مناسكهم بكل يُسر وسهولة وفي أجواء آمنة ومستقرة.
وفي إطار الحرص على تطبيق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يؤدي الحجاج عند وصولهم إلى مشعر مزدلفة صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم يبيتون في المشعر إلى فجر اليوم العاشر من ذي الحجة، حيث يتجهون بعد صلاة الفجر إلى مشعر منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، وذبح الهدي، وذلك استكمالًا لمناسكهم التي بدأوها منذ توافدهم إلى مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في أيام التشريق.
وتُعد مرحلة الانتقال من عرفات إلى مزدلفة هي المرحلة الثالثة ضمن سلسلة مراحل تنقلات الحجاج بين المشاعر المقدسة، والتي تبدأ منذ اليوم الثامن من ذي الحجة حين يتوافدون إلى منى لقضاء يوم التروية، ومن ثم يقفون في عرفات في اليوم التاسع، لينتقلوا بعدها إلى مزدلفة للمبيت، قبل استئناف شعائرهم في منى.
وتشهد عملية التنقل هذه تنسيقًا عاليًا بين مختلف القطاعات الحكومية، من قوات الأمن والمرور والدفاع المدني، إلى الجهات الصحية والهيئات التطوعية، التي تبذل جهودًا استثنائية لضمان انسيابية الحركة، وسلامة الحجاج، وتقديم الدعم اللازم لكافة الفئات، ولا سيما كبار السن والمرضى وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وقد لوحظت انسيابية واضحة في حركة الحجاج رغم كثافة الأعداد، ما يعكس فاعلية التنظيم ودقة الخطط المرسومة.
وفي هذا الإطار، تتكامل الخدمات المقدمة للحجيج، حيث تم تجهيز مشعر مزدلفة بكل ما يلزم لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة، من مواقع مبيت مجهّزة، إلى نقاط إرشاد وخدمات طبية ومياه شرب وأماكن مخصصة للطوارئ، فضلًا عن انتشار فرق النظافة والصيانة، لتأمين بيئة صحية وآمنة للحجيج، كما يتم تنظيم دخول الحجاج إلى المشعر بشكل مرحلي ومنسّق، عبر مسارات محددة وأوقات زمنية موزعة وفق خطط مدروسة بدقة.
وقد أولت المملكة أهمية كبرى هذا العام لتطبيق الإجراءات الصحية، من خلال انتشار الكوادر الطبية المدربة، وتفعيل خطط الطوارئ الصحية، وتقديم الإرشادات التوعوية بلغات متعددة، إلى جانب توفير فرق التدخل السريع للتعامل مع أي حالات طارئة، وتأتي هذه الجهود ضمن إطار استراتيجية شاملة وضعتها القيادة السعودية منذ وقت مبكر، تهدف إلى توفير أعلى درجات الراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن.
ومن اللافت أيضًا المشاركة الواسعة من الجهات التطوعية والخدمية، والتي لعبت دورًا محوريًا في تسهيل مهام الإرشاد وتوزيع الوجبات والمياه، ومساعدة الحجاج على التنقل، وتقديم الدعم اللوجستي والإنساني، مما أسهم في تعزيز الشعور بالسكينة والطمأنينة لدى الحجاج.
وقد عبّر عدد من الحجاج عن امتنانهم للخدمات الكبيرة التي لمسوها منذ لحظة وصولهم إلى المشاعر، مشيدين بالتنظيم الدقيق، والرعاية الشاملة التي وفرتها المملكة، مؤكدين أن هذه التجربة الروحانية الفريدة تجري في ظروف استثنائية من الرعاية والاهتمام، وشهد مشعر عرفات هذا العام حضورًا لافتًا من الحجاج من مختلف الجنسيات والثقافات، وسط أجواء إيمانية مفعمة بالدعاء والتضرع.
كما تم توظيف أحدث التقنيات الذكية في خدمة الحجيج، عبر استخدام التطبيقات الرقمية التي تساعد في الإرشاد والتنقل، وتوفير الخرائط التفاعلية، ونقاط المعلومات الفورية، إضافة إلى التنسيق المستمر بين مختلف مراكز التحكم والمراقبة التي تتابع سير الحجيج لحظة بلحظة.
كل هذه الجهود المباركة تترجم حرص القيادة السعودية على جعل رحلة الحج تجربة آمنة وميسرة، تمكّن الحاج من التفرغ للعبادة، بعيدًا عن مشاق التنقل والازدحام، وقد أثبتت المملكة في كل موسم حج مدى جاهزيتها واحترافيتها العالية في التعامل مع أكبر التجمعات البشرية في العالم، وذلك بفضل التراكم الكبير من الخبرات والتنظيم المستمر الذي يتطور عامًا بعد عام.
ومع حلول ليلة المبيت في مزدلفة، تتواصل المشاعر الإيمانية الجليلة، ويستعد الحجاج لصبيحة يوم النحر، حيث يبدؤون برمي جمرة العقبة الكبرى، في بداية شعائر يوم العيد، الذي يمثل أحد أهم أيام الحج، إيذانًا ببدء رمي الجمرات ونحر الهدي ثم الحلق أو التقصير، والطواف بالبيت الحرام، ويتواصل بعد ذلك أداء المناسك تباعًا في أيام التشريق الثلاثة.
وهكذا تمضي مناسك الحج في ظل متابعة دقيقة وإشراف متواصل من مختلف أجهزة الدولة، التي تسعى إلى تأمين سبل الراحة والطمأنينة لضيوف الرحمن، بما يحقق شعار "الحج رسالة سلام"، ويجسد مكانة المملكة كمركز إسلامي عالمي يحتضن شعيرة الحج ويخدم ملايين المسلمين في كل موسم.