حج 1446
الصحة السعودية: منظومة متكاملة تقضي على تهديد الإجهاد الحراري في الحج
كتب بواسطة: سعيد الصالح |

أعلنت وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية عن انخفاض ملحوظ في عدد حالات الإجهاد الحراري التي سُجلت بين حجاج بيت الله الحرام خلال موسم الحج لعام 1446هـ، حيث بلغت نسبة الانخفاض نحو 90% مقارنة بالإحصاءات المسجلة في موسم الحج السابق، ويُعَدّ هذا التراجع الكبير في الحالات الصحية المرتبطة بالإجهاد الحراري مؤشرًا إيجابيًا يعكس مستوى الجاهزية والتكامل في منظومة الخدمات الصحية، كما يدل على النجاح الملموس في تطبيق التدخلات الوقائية والاحترازية المعززة لسلامة الحجاج، الذين قدموا من مختلف بقاع العالم لأداء الشعيرة المقدسة.

ويأتي هذا الإنجاز في إطار التزام وزارة الصحة، وبالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية، بتطبيق أعلى المعايير الوقائية والصحية في سبيل حماية ضيوف الرحمن من المخاطر البيئية والمناخية، وفي مقدمتها التعرض المباشر لأشعة الشمس والحرارة المرتفعة، التي تُعَدّ من أبرز التحديات التي تواجه الحجاج أثناء تأدية مناسكهم في الأجواء المناخية الصعبة التي تشهدها مناطق المشاعر المقدسة خلال موسم الحج.

وتتماشى هذه الجهود المتقدمة مع مستهدفات برنامج "تحول القطاع الصحي"، أحد البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، الذي يهدف إلى رفع كفاءة الخدمات الصحية وتحسين جودتها وضمان استدامتها، من خلال بنية تحتية صحية متطورة، وكوادر طبية مؤهلة، واستخدام التقنيات الحديثة في التنبؤ ومعالجة المخاطر الصحية، كما ترتبط هذه الجهود ارتباطًا وثيقًا ببرنامج "خدمة ضيوف الرحمن"، الذي يعد من أهم المبادرات الحكومية الرامية إلى تمكين الحجاج والمعتمرين من أداء مناسكهم في ظروف صحية وآمنة، وتقديم كافة التسهيلات التي تعزز من تجربتهم الإيمانية والروحية أثناء الوجود في الديار المقدسة.

وقد اعتمدت المنظومة الصحية، خلال موسم الحج لهذا العام، على مجموعة من الخطط الاستباقية والممارسات الوقائية المدروسة، من بينها تكثيف حملات التوعية الصحية التي استهدفت الحجاج بلغاتهم المختلفة، قبل وصولهم إلى الأراضي المقدسة وأثناء تواجدهم في المشاعر، وشملت هذه الحملات التعريف بطرق الوقاية من ضربات الشمس والإجهاد الحراري، وتوزيع النشرات التوعوية، واستخدام الوسائط الرقمية الحديثة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الحجاج في وقت قياسي، كما تم تفعيل نقاط التثقيف الصحي في مراكز الاستقبال والمخيمات والمواقع الحيوية الأخرى، ما ساعد في تعزيز الوعي السلوكي والصحي لدى الحجاج، وأسهم في خفض معدل الإصابات الناجمة عن الحرارة المرتفعة.

إضافة إلى ذلك، كثفت فرق الطوارئ والفرق الطبية الجوالة من انتشارها الميداني في مواقع تجمعات الحجاج، لتقديم الرعاية الصحية العاجلة لمن تظهر عليهم أعراض الإجهاد الحراري أو أي أعراض صحية أخرى قد تعيقهم عن استكمال المناسك، وقد ساعدت هذه الاستجابة السريعة على التعامل مع الحالات الطارئة بفعالية عالية وتقليل نسب التدهور الصحي بين الحجاج.

كما قامت وزارة الصحة، بالتعاون مع الجهات الحكومية الشريكة، بتنفيذ عدد من التدابير الهندسية والبيئية للحد من التعرض المباشر لأشعة الشمس، وذلك من خلال التوسعة في مناطق الظل، وتوفير مرشات رذاذ الماء في الممرات الرئيسية، وتعزيز توفر المياه الباردة في أماكن الانتظار والتجمع، وقد ساعدت هذه التدخلات بشكل كبير في تحسين البيئة المناخية في المشاعر وتقليل الضغط الحراري على الحجاج.

ومن العوامل الحاسمة التي ساهمت في تحقيق هذا التقدم النوعي انخفاض معدلات الإجهاد الحراري، هو التنسيق عالي المستوى بين وزارة الصحة والجهات الحكومية المختلفة، كوزارة الحج والعمرة، وقوات أمن الحج، وهيئة الهلال الأحمر، وغيرها من الجهات الداعمة، هذا التناغم في الأدوار والخطط والتنفيذ ساعد على تعزيز الاستجابة الجماعية للمخاطر الصحية، وضمان توفير الرعاية الصحية المناسبة في الوقت والمكان المناسبين.

وقد أثنت الوزارة على الدور الكبير الذي قام به مقدمو الرعاية الصحية، من أطباء وممرضين وفنيين وإداريين، والذين عملوا على مدار الساعة لخدمة ضيوف الرحمن، وتوفير الرعاية الطبية بجودة وكفاءة عالية، كما أكدت أن الاستفادة من الخبرات المتراكمة في إدارة مواسم الحج السابقة، إلى جانب التحديث المستمر في آليات العمل، ساهم في رفع كفاءة الاستعدادات لهذا الموسم وتحقيق نتائج مبهرة على صعيد حماية صحة الحجاج.

وتؤكد هذه المؤشرات الصحية الإيجابية قدرة المملكة على تطوير منظومتها الصحية وفق أعلى المعايير الدولية، بما يخدم تطلعات رؤية 2030 ويعزز من مكانتها العالمية في تنظيم أحد أكبر التجمعات البشرية الموسمية بأعلى درجات الأمن والسلامة، كما تبرز جهود وزارة الصحة المستمرة في استشراف المخاطر المستقبلية والعمل على الوقاية منها عبر نهج علمي ومنظم يُعلي من قيمة الإنسان ويضع صحة الحاج كأولوية لا يُمكن التهاون فيها.

ويُشار إلى أن نجاح موسم الحج صحياً لا يقتصر على انخفاض الإصابات، بل يُقاس أيضاً بجودة حياة الحجاج أثناء أداء مناسكهم، وغياب التفشيات الوبائية، وسرعة الاستجابة للحالات الطارئة، وهي مؤشرات سجلت تحسناً ملموساً هذا العام بحسب البيانات الأولية الصادرة عن الجهات الصحية الرسمية.

وتعمل الوزارة على مواصلة هذه الجهود التطويرية من خلال رصد البيانات وتحليلها، والقيام بتقييمات شاملة عقب انتهاء الموسم، بغرض تحسين الأداء وتلافي أية تحديات مستقبلية، مع التأكيد على أهمية التوعية المستدامة، والتدريب المتواصل للكوادر الطبية، والاستثمار في البنية التقنية الذكية التي تتيح سرعة الاتصال واتخاذ القرار.

في ضوء ذلك، فإن انخفاض نسبة الإصابات بالإجهاد الحراري في موسم حج 1446هـ يُعد دلالة حقيقية على تطور القدرات المؤسسية في المملكة، ويجسد التزام الدولة بحماية صحة الإنسان وصون كرامته، وتوفير أقصى سبل الراحة والسلامة لضيوف بيت الله الحرام.