خطة أمنية متكاملة لإرشاد الحجاج التائهين في المشاعر
خطة أمنية متكاملة لإرشاد الحجاج التائهين في المشاعر
كتب بواسطة: مختار العسلي |

في كل موسم حج، تظهر صور متعددة للجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن، غير أن واحدة من أكثر هذه الصور تأثيرًا وأقربها إلى قلوب الحجاج هي مشاهد رجال الأمن وهم يرشدون الحجاج التائهين، لا سيما كبار السن والمرضى، داخل المشاعر المقدسة، فبين صخب الحشود وتزاحم الجنسيات واللغات، يقف رجال الأمن كجسر منظم، ينقل الحاج من لحظة التيه والارتباك إلى لحظة الطمأنينة والاستقرار، مؤكدين أن أمن الحاج وراحته هما أولوية لا مساومة عليها.

وفي ظل تدفق الملايين إلى المشاعر، ووسط الازدحام الشديد الذي تشهده مواقع مثل منى، عرفات، ومزدلفة، تتكرر حالات فقدان الحجاج لطرقهم أو مجموعاتهم، وخاصة بين الحجاج القادمين من دول لا يتحدثون العربية، أو ممن يعانون من أمراض مزمنة أو تقدم في السن، وهنا يتدخل رجال الأمن المنتشرون في كل زاوية من زوايا المشاعر، مستخدمين مهاراتهم اللغوية، وتجهيزاتهم التقنية، وخبرتهم الميدانية لإعادة هؤلاء الحجاج إلى مواقعهم بأمان.

وتسجل الجهات الأمنية كل عام آلاف البلاغات المتعلقة بالحجاج التائهين، حيث يتم التعامل معها بسرعة ودقة عبر فرق ميدانية مدربة وأجهزة تتبع متقدمة، وتعتمد الخطة الأمنية على توزيع رجال الأمن في نقاط تمركز محددة، تغطي المسارات الرئيسية والمخيمات وأماكن الازدحام، ما يتيح سرعة الاستجابة لأي حالة تيه، وإعادة الحاج إلى بعثته أو موقع إقامته في أقصر وقت ممكن.

اللافت في هذه المهمة ليس فقط كفاءتها التنظيمية، بل طابعها الإنساني أيضًا، فمشاهد احتضان رجل أمن لحاج يبكي بعد أن فقد مجموعته، أو مساعدة أحدهم في حمل أمتعته أو تهدئته نفسياً، تكررت كثيرًا في المشاعر، وأصبحت رمزًا للحنو والرحمة في قلب العمل الأمني، وقد وثّقت عدسات الإعلام كثيرًا من هذه المواقف، التي تلقى رواجًا واسعًا في وسائل التواصل الاجتماعي وتُقابل بإشادات من مواطنين ومقيمين على حد سواء.

وقد وفرت وزارة الداخلية السعودية تدريبًا خاصًا لرجال الأمن العاملين في الحج، يشمل مهارات التواصل مع مختلف الجنسيات، والتعامل مع حالات الطوارئ النفسية والطبية، إضافة إلى تدريبات ميدانية تحاكي سيناريوهات فقدان الطريق، خاصة في ساعات الذروة، كما زوّد كثير من رجال الأمن بأجهزة ذكية مرتبطة بخرائط المواقع والمخيمات ومعلومات البعثات، تسهم في تحديد موقع الحاج ومساعدته على الفور.

من جهة أخرى، تتكامل هذه الجهود مع مبادرات الدعم المدني الأخرى، مثل "خدمة الحاج التائه" التي تشرف عليها هيئة الهلال الأحمر السعودي، وهيئة تطوير مكة، وعدد من الفرق التطوعية، التي تعمل بالتنسيق مع رجال الأمن لإيصال الحجاج إلى مقارهم، وتوفير الماء والمساعدة الأولية لهم عند الحاجة، ويؤكد هذا التناغم أن خدمة الحاج تبدأ من الأمن ولا تنتهي عنده، بل تمتد لتشمل جوانب الرعاية الشاملة.

ولعل ما يميز موسم الحج في كل عام هو أن التعامل مع التائهين لا يُنظر إليه كعبء تنظيمي، بل كفرصة إنسانية لتجسيد القيم الإسلامية في أبهى صورها، فالابتسامة التي يرافق بها رجل الأمن الحاج إلى وجهته، والهدوء الذي يضفيه على اللحظة الحرجة، تنبع من قناعة بأن خدمة الحجاج شرف لا يوازيه شيء، وقد أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن معظم حالات التيه تُحل خلال أقل من 30 دقيقة، بفضل سرعة الاستجابة وكفاءة التوزيع الميداني.

في نهاية المطاف، تبقى مهمة إرشاد التائهين واحدة من أجمل صور العمل الأمني في المشاعر، لأنها تجمع بين النظام والعاطفة، بين الانضباط والرحمة، وهي تعكس صورة رجل الأمن السعودي ليس فقط كمنفذ للخطة، بل كحارسٍ للطمأنينة والرحمة، ورفيقٍ للحاج في لحظة ضعفه، حتى يعود إلى شعيرته وقلبه مملوء بالامتنان.