الذكاء الاصطناعي
ثورة في ويكيبيديا: المحررون البشريون ينتفضون ويجبرون الموقع على طرد الملخصات الآلية!
كتب بواسطة: سوسن البازل |

أوقفت ويكيبيديا تجربة الملخصات الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي بعد أيام قليلة من إطلاقها، إثر موجة من الاعتراضات والانتقادات الحادة من قِبل المحررين الذين اعتبروا التجربة تهديدًا لهوية المنصة ومصداقيتها المتراكمة عبر السنوات. 

الميزة الجديدة كانت تظهر أعلى بعض المقالات داخل تطبيق ويكيبيديا على الهواتف، واستهدفت 10% فقط من المستخدمين، وكان على القارئ تفعيلها يدويًا، ما يعني أنها لم تكن تفرض نفسها تلقائيًا، ولكن ردود الفعل جاءت عاصفة، وكفيلة بإيقافها.

الجدل لم يكن متعلقًا فقط بالمحتوى الذي قدّمه الذكاء الاصطناعي، بل بالأصل في فكرة وجوده، حيث عبّر المحررون عن رفضهم القاطع لما اعتبروه تقليدًا غير مبرر لخطوات شركات التقنية الكبرى مثل جوجل، التي سبق أن قدمت ملخصات مشابهة.

أحد المحررين لم يتردد في وصف التجربة بأنها “خطر فوري على المصداقية”، محذرًا من أن مثل هذه القرارات قد تهز ثقة المستخدمين في محتوى ويكيبيديا، الذي لطالما كان ثمرة جهد تطوعي بشري متراكم، لا مكان فيه للأتمتة غير المدروسة.

أما آخر، فقد ذهب أبعد من ذلك، معتبرًا الخطوة “إهانة لذكاء القراء”، واصفًا إياها بالركض الأعمى خلف موجة الذكاء الاصطناعي اللامعة، دون مراعاة للطابع التحريري للموسوعة، ولا للوعي القرائي لدى جمهورها العالمي.

المثير أن المحررين أبدوا أيضًا امتعاضًا شديدًا من الطريقة التي تم بها اتخاذ القرار، مشيرين إلى أنه لم يكن هناك نقاش حقيقي داخل المجتمع التحريري، وأن الاقتراح انطلق من موظف واحد في مؤسسة ويكيميديا دون إشراك فعلي للمتطوعين.

أحد الأصوات الغاضبة قال إن المجتمع لم يكن طرفًا حقيقيًا في التجربة، وإن ما سُمي بـ”النقاش” لم يكن سوى غطاء شكلي لإجراء تقني مفروض من أعلى، وهو ما يتنافى مع فلسفة ويكيبيديا التشاركية، حسب تعبيره.

وفي ظل هذا الغضب، خرجت متحدثة باسم مؤسسة ويكيميديا لتؤكد أن التجربة أُوقفت بالفعل، وأن القرار جاء استجابة مباشرة للتعليقات الواردة من المحررين، مشددة على أن المؤسسة ترحب دائمًا بالنقد البنّاء، وترى فيه دافعًا لتصحيح المسار.

وأضافت المتحدثة في تصريح لموقع 404 Media أن ملاحظات المتطوعين أساسية في تحديد اتجاه المشاريع، مؤكدة أن روح التعاون ما زالت هي العماد الذي تستند إليه ويكيبيديا في نموها واستمرارها كمنصة مفتوحة لجميع البشر.

أما عن أسباب إطلاق التجربة في المقام الأول، فأوضحت المؤسسة أنها جاءت استجابة لحاجة بعض المستخدمين لمُلخصات مبسطة تمهد لفهم المحتوى، خاصة أن مستويات القراءة تختلف بين المستخدمين، وبعضهم لا يجد سهولة في النصوص الطويلة أو المعقدة.

المؤسسة استندت في تبريرها إلى إحصائيات تفيد بأن متوسط القراءة لدى المستخدمين الناطقين بالإنجليزية يوازي مستوى عمر 14 إلى 15 عامًا، ما يبرز أهمية التيسير، خاصة لدى جمهور ويكيبيديا من غير المتحدثين الأصليين.

رغم ذلك، لم يُبدِ المحررون تفهمًا كبيرًا لهذه الدوافع، معتبرين أن أي محاولة لتبسيط المحتوى ينبغي أن تمر من خلال أدواتهم التحريرية المعتمدة، لا عبر خوارزميات قد تفتقر إلى السياق، أو تتسبب في تبسيط مخل بالمعلومة.

ومع التراجع الحالي، لم تغلق المؤسسة الباب تمامًا أمام الذكاء الاصطناعي، لكنها أكدت أن أي خطوات لاحقة سيتم اتخاذها فقط بمشاركة صريحة وواضحة من المجتمع التحريري، وهو ما يُعد استجابة ولو جزئية لمطالب المعترضين.

الملف إذًا لم يُغلق بشكل نهائي، لكن تجربته الأولى وضعت المؤسسة أمام تساؤلات مصيرية حول علاقتها بالمجتمع التطوعي، وحدود تدخلها في صياغة المحتوى، خاصة في ظل تصاعد هيمنة الذكاء الاصطناعي على أدوات المعرفة.

ورغم انتهاء التجربة سريعًا، إلا أن صداها مستمر، تاركًا المؤسسة أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تعزيز إشراك المجتمع التحريري قبل أي مبادرة مستقبلية، أو المجازفة بفقدان الثقة التي بُنيت على مدار أكثر من عقدين.