شهدت إيران صباح الأربعاء انقطاعًا شبه تام في خدمات الإنترنت، ما أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة هذا التوقف المفاجئ، خاصةً مع دخول المواجهة العسكرية بينها وبين إسرائيل يومها السادس، التقارير الأولية تشير إلى أن الحركة الرقمية داخل البلاد تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث انخفضت بنسبة 97% مقارنةً بالأسبوع الماضي، وفقًا لبيانات شركة Cloudflare.
شركة NetBlocks المتخصصة في مراقبة الشبكات، أعلنت عبر منصة "إكس" أن إيران تواجه حاليًا انقطاعًا شبه كامل للإنترنت على مستوى البلاد، مما يشير إلى حالة طوارئ رقمية غير معلنة وسط أجواء التصعيد الإقليمي، تأكيدات أخرى صدرت من منظمات مراقبة مستقلة عززت هذا التقييم، وأشارت إلى أن ما يحدث ليس مجرد خلل فني عابر، بل انهيار شامل للبنية الرقمية.
منصة IODA، التي تعمل على رصد انقطاعات الإنترنت في الوقت الحقيقي، أكدت بدورها أن الاتصال في إيران شهد انهيارًا مفاجئًا، في نمط يُشير عادةً إلى تدخل ممنهج في البنية التحتية، سواء بفعل ذاتي أو جراء هجوم خارجي، هذا النوع من الانهيارات غالبًا ما يصاحب أحداثًا سياسية أو عسكرية بالغة الحساسية.
ديفيد بيلسون، المسؤول عن تحليل البيانات في شركة Cloudflare، أشار إلى أن ما تشهده إيران هو تراجع حاد في حركة الإنترنت لم يُرصد له مثيل في الفترة الأخيرة، لافتًا إلى أن مؤشرات الشركة أظهرت انخفاضًا مفاجئًا في معظم المزودين المحليين للخدمة.
الانقطاع جاء متزامنًا مع تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، في وقت تحدثت فيه تقارير عن تعرض طهران لهجمات إلكترونية واسعة شملت مؤسسات مصرفية ومنصات عملات مشفرة، بعض المصادر الإيرانية وصفت ما يحدث بـ"الحرب الإلكترونية الشاملة"، واتهمت إسرائيل بالوقوف خلف هذه العمليات.
وكالة "IRIB" الإيرانية الرسمية أشارت إلى أن السلطات المحلية بدأت في تقييد الوصول إلى الإنترنت كإجراء وقائي، في حين لم يصدر أي بيان رسمي يوضح ملابسات الانقطاع الكامل أو يقدّم تفسيرًا تقنيًا واضحًا له، هذا الصمت أثار المزيد من التكهنات، وفتح الباب أمام نظريات متباينة حول السبب الحقيقي للانهيار.
بيلسون أوضح في تصريحات لاحقة أن ما يميز هذا الانقطاع هو غياب الظواهر المعهودة في حالات مشابهة، مثل التراجع الكبير في عدد عناوين IP المُعلنة، ما يعني أن شبكات الإنترنت الإيرانية ما زالت مرئية من الخارج، لكنها لا ترسل أو تستقبل بيانات بالشكل المعتاد.
وأكد أيضًا أن البيانات المتوفرة لا تفيد بوجود "قطع كامل من المصدر"، وإنما تُظهر فقط انخفاضًا حادًا في حجم البيانات المرسلة والمستقبلة، مما يجعل من الصعب تحديد السبب بدقة، سواء كان خللًا فنيًا داخليًا أم نتيجة هجمات منظمة من الخارج.
خبير الإنترنت دوغ مادوري، من شركة كينتيك، أكد بدوره أن خدمات الإنترنت انقطعت فجأة عن عدد كبير من مزودي الخدمة في إيران، مشيرًا إلى أن هذا الانقطاع هو الثاني من نوعه خلال يومين فقط، لكنه هذه المرة أكثر حدة واتساعًا.
الوضع الحالي في إيران يُذكّر بسيناريوهات سابقة، شهدت فيها البلاد انقطاعات مشابهة خلال الاحتجاجات الشعبية أو التوترات الأمنية الكبرى، ما يُرجّح أن القرار هذه المرة جاء في إطار استراتيجية أمنية شاملة لعزل الداخل عن الخارج.
ويبدو أن المسألة لا تتعلق فقط بتقنية الاتصال، بل بصراع معلوماتي أشمل، تتداخل فيه الأبعاد العسكرية والإعلامية، وتستخدم فيه الدول أدوات الإنترنت كسلاح حيوي لتحقيق أهدافها الإستراتيجية في زمن الحرب.
السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل هذا الانقطاع مؤقت وعرضي؟ أم أن إيران تستعد لإغلاق رقمي طويل الأمد بهدف السيطرة على تدفق المعلومات خلال المرحلة القادمة من النزاع؟ لا إجابات واضحة حتى اللحظة، والتكهنات تتزايد مع كل دقيقة.
المشهد الحالي يؤكد من جديد مدى هشاشة الإنترنت في ظل الصراعات الجيوسياسية، وأن حرية الوصول إلى الشبكة لم تعد مضمونة في زمن باتت فيه المعلومة سلاحًا لا يقلّ فتكًا عن الصواريخ والطائرات.