في خطوة رقابية حاسمة تهدف إلى ضبط قطاع المياه وتنظيم خدماته غير الشبكية، أعلنت الهيئة السعودية للمياه عن إغلاق عدد من محطات تعبئة المياه في مدينة الرياض، وذلك بعد رصد مخالفات جسيمة تتعلق بمزاولة النشاط دون الحصول على التراخيص النظامية، مما يُعد مخالفة صريحة لأحكام نظام المياه المعتمد في المملكة.
وجاء هذا التحرك في إطار حملة رقابية واسعة تنفذها الهيئة السعودية للمياه، حيث تم رصد عدد من المنشآت التي تقدم خدمات تعبئة المياه دون امتثال للضوابط النظامية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا على جودة الخدمة وسلامة المياه المقدمة للمستهلكين، خاصة في ظل تشديد الهيئة على التزام جميع مزاولي الخدمة بالإجراءات التنظيمية المعتمدة.
وأكدت الهيئة أن الجهات المخالفة ستخضع للعقوبات المنصوص عليها في نظام المياه، بما في ذلك الغرامات المالية التي تهدف إلى ردع المخالفين، وتعزيز بيئة تشغيلية قائمة على الشفافية والامتثال، وذلك في إطار سعي الهيئة إلى رفع كفاءة القطاع وضمان تقديم خدمات موثوقة وآمنة.
وشددت الهيئة على أهمية التزام جميع مزاولي الأنشطة ذات العلاقة بالحصول على التراخيص اللازمة قبل مزاولة أي نشاط متعلق بتوزيع أو إنتاج المياه، سواء كانت محلاة أو منقاة، مؤكدة أن هذه التراخيص متاحة عبر منصاتها الإلكترونية، وفق شروط واضحة تهدف إلى تنظيم القطاع ومنع العشوائية.
وتأتي هذه الإجراءات في وقت تعمل فيه الهيئة السعودية للمياه على تطوير منظومة الخدمات اللاشبكية، والتي تشمل توزيع المياه من خلال الصهاريج والخزانات المتنقلة، بدلًا من الشبكات التقليدية، ويُعد هذا النوع من الخدمات حساسًا ويحتاج إلى رقابة دقيقة بسبب تأثيره المباشر على صحة المستهلك وجودة المياه.
وأوضحت الهيئة أن من بين الشروط الأساسية للحصول على تراخيص هذه الأنشطة، امتلاك رخصة إنتاج مياه محلاة أو منقاة، واستيفاء اشتراطات الصحة والسلامة، والتقيد بالمواصفات الفنية المحددة من قبل الهيئة، وهو ما تسعى إلى تحقيقه من خلال حملات التفتيش والمراجعة الدورية للمنشآت.
ويُعد هذا الإجراء استكمالًا للدور الرقابي المتنامي للهيئة في تنظيم خدمات المياه، والذي يشمل مراقبة جودة المياه، وتطبيق المعايير البيئية، وضمان كفاءة التشغيل، وهو ما يعكس تطور الإطار التنظيمي للقطاع في المملكة، وحرص الجهات المعنية على حماية المستهلك وتحقيق التنمية المستدامة.
ويأتي هذا التحرك في وقتٍ تشهد فيه المملكة نموًا سكانيًا متزايدًا وتوسعًا عمرانيًا واسع النطاق، مما يجعل من تنظيم خدمات المياه ضرورة استراتيجية لضمان الاستدامة والعدالة في التوزيع، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض، التي تعتمد بشكل متزايد على حلول المياه اللاشبكية لتغطية الطلب.
كما أشارت الهيئة إلى أن من واجب المستهلكين أيضًا التأكد من قانونية المحطات التي يتعاملون معها، والتأكد من حصولها على التراخيص النظامية، لما لذلك من تأثير مباشر على سلامة المياه وجودتها، داعية إلى الإبلاغ عن أي منشآت مخالفة عبر قنواتها الرسمية.
وقد أثار القرار تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث رحّب عدد كبير من المواطنين والمقيمين بهذه الخطوة التي تعزز من الرقابة وتحمي المستهلك، فيما دعا آخرون إلى المزيد من الإجراءات لضبط المخالفات في هذا القطاع الحيوي، وضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات في المستقبل.
وتُعد المياه المحلاة والمنقاة من الموارد الحيوية التي تتطلب رقابة مستمرة على جودة الإنتاج والتوزيع، نظرًا لما لها من أثر مباشر على الصحة العامة، وهو ما أكدت عليه الهيئة مرارًا من خلال نشر حملات توعوية وتعريفية بحقوق المستهلك ومهام المزوّدين.
ويأتي هذا التوجه ضمن رؤية الهيئة الرامية إلى بناء قطاع مياه متكامل ومنظم يخدم أهداف التنمية الوطنية، ويتماشى مع رؤية السعودية 2030 التي تركز على رفع كفاءة البنية التحتية وتعزيز جودة الحياة من خلال خدمات مستدامة وآمنة.
والجدير بالذكر أن خدمات المياه اللاشبكية، والتي تشمل توزيع المياه خارج الشبكات المركزية، تُعد حلاً بديلًا في العديد من المناطق، سواء لاعتبارات فنية أو جغرافية، ما يجعل ضبط جودة هذه الخدمات أولوية قصوى للجهات التنظيمية.
ورغم أن بعض المحطات قد تكون لجأت لتقديم خدماتها بشكل غير نظامي لتلبية الطلب المتزايد، فإن الهيئة أوضحت أن ذلك لا يُعفيها من الالتزام بالأنظمة، وأن العشوائية في هذا القطاع قد تؤدي إلى نتائج خطيرة من حيث الصحة والسلامة.
وأعادت الهيئة التذكير بأن جميع التراخيص اللازمة يمكن الحصول عليها من خلال موقعها الإلكتروني الرسمي، حيث وفرت منصة شاملة تتيح للمستثمرين ومقدمي الخدمة تقديم طلباتهم ومتابعتها إلكترونيًا، في إطار التحول الرقمي الذي تشهده الخدمات الحكومية في المملكة.
وتسعى الهيئة من خلال هذه الإجراءات إلى تنظيم قطاع المياه على كافة مستوياته، من الإنتاج وحتى التوزيع، بما يضمن أن تصل الخدمة إلى جميع المواطنين والمقيمين بشكل آمن، موثوق، ومنظم، بعيدًا عن أي ممارسات عشوائية قد تضر بالصالح العام.
وبهذا الإجراء تؤكد الهيئة التزامها بتطبيق الأنظمة بكل حزم، كما تُرسل رسالة واضحة إلى جميع مزاولي الخدمة بأن الامتثال للأنظمة لم يعد خيارًا بل التزامًا قانونيًا لا يمكن تجاوزه، وهو ما يصب في مصلحة القطاع والمجتمع على حد سواء.