مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية.
تعديل جديد في تنظيم إجازات الأعياد للموظفين يعيد تشكيل ملامح العمل الحكومي
كتب بواسطة: سماح الرائع |

في خطوة تنظيمية جديدة، صدرت موافقة مجلس الوزراء على تعديلات مهمة تمس مباشرة أوضاع الموظفين المتعاقدين في الجهات الحكومية التي تطبق نظام الخدمة المدنية، حيث نشرت الجريدة الرسمية، اليوم، تفاصيل هذا القرار الذي يعد جزءًا من جهود الحكومة لتوحيد وتنظيم حقوق الموظفين والموظفات في الإجازات الرسمية، مع مراعاة الفروقات الوظيفية وأنماط التعاقد المختلفة.

والقرار الجديد يهدف إلى تقنين وتحديد أيام إجازات العيدين للفئات الخاضعة لنظام العمل ضمن الجهات الحكومية، حيث تضمن التعديل شمول متعاقدين محددين وفق ضوابط جديدة، أبرزها العاملون ضمن قواعد ممارسة مهام وظائف وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدين، إضافة إلى المتعاقدين ضمن برنامج الكفاءات المتميزة، ليحصلوا على إجازة عيد تتراوح بين أربعة إلى خمسة أيام عمل كحد أقصى.

ويأتي هذا التحرك ضمن سياق أوسع تعكف عليه الحكومة لمواءمة أنظمة العمل بين المتعاقدين والموظفين الرسميين، حيث كانت بعض الفئات من المتعاقدين تعاني سابقًا من تفاوت في الحقوق المتعلقة بالإجازات، مما يخلق فجوة تنظيمية تمثل تحديًا في إدارة الموارد البشرية داخل الجهات الحكومية التي تطبق نظام الخدمة المدنية.

والقرار يمنح الجهات الحكومية مرونة في التعامل مع بعض الفئات، إذ يتيح للمسؤول الأول في الجهة تحويل الموظفين المشمولين بهذا التعديل إلى أسلوب العمل عن بعد خلال الفترة التي تتجاوز خمسة أيام عمل من إجازة العيد، وهي الفترة التي يستفيد منها موظفو الخدمة المدنية فعليًا، ما يعزز من قدرة الجهات على الحفاظ على سير العمل دون إخلال بالتنظيم أو بالحقوق.

وهذه الخطوة لم تكن معزولة عن النقاشات السابقة التي دارت حول تفاوت الامتيازات بين الموظفين الرسميين والمتعاقدين، خاصة في المواسم الرسمية كعيدي الفطر والأضحى، إذ شهدت الأعوام الماضية دعوات متزايدة لمراجعة السياسات المنظمة للإجازات، بهدف تعزيز العدالة التنظيمية ورفع كفاءة بيئة العمل في القطاع الحكومي.

والتعديل الصادر يتضمن أيضًا بندًا جديدًا، يمنح معالي وزيري المالية، والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، صلاحية تحديد فئات أخرى من المتعاقدين لم تشملهم النصوص السابقة، وذلك بهدف إدراجهم ضمن الأحكام ذاتها المتعلقة بإجازات العيدين، وهو ما يعني أن التوسعة مستمرة وتشمل عددًا أكبر من الفئات في المستقبل القريب.

ومن المتوقع أن تُسهم هذه التعديلات في تحسين تجربة العمل للمتعاقدين ضمن الجهات الحكومية، لا سيما أولئك الذين يؤدون مهام قيادية أو تخصصية في وزارات حساسة، إذ إن تمتعهم بإجازات متقاربة مع نظرائهم من موظفي الخدمة المدنية يقلل من الفجوات التنظيمية، ويعزز الشعور بالمساواة داخل المرافق الحكومية.

كما أن القرار يعكس رؤية شمولية لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، التي تسعى لدمج جميع العاملين ضمن أطر تنظيمية واضحة، تراعي متطلبات العدالة وتضمن استمرارية الأداء المؤسسي، في وقت تشهد فيه الجهات الحكومية تحولات كبرى في هيكلة أنظمتها الإدارية والمالية.

ويُعد برنامج الكفاءات المتميزة أحد أهم البرامج التي تستقطب الخبرات الوطنية والدولية لشغل وظائف نوعية في القطاع الحكومي، وقد شكل إدراجه ضمن التعديلات دلالة على التقدير المؤسسي لأدوار هذه الفئة، وعلى الأهمية التي توليها الدولة لتمكين واستدامة الكفاءات.

والخطوة الجديدة تأتي في ظل الإصلاحات المتواصلة في القطاع العام، التي ترتكز على الشفافية والحوكمة وتعزيز بيئة العمل، حيث تعمل الدولة على تحديث الأنظمة بما يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة التي تركز على رفع كفاءة الأداء والخدمات المقدمة للمواطنين.

ويُفهم من صياغة القرار المعدل أن الجهة الحكومية باتت ملزمة بتطبيق حد أدنى وأقصى لإجازة العيدين للمتعاقدين المشمولين، وهو ما يعزز التنظيم، ويحد من الاجتهادات الفردية التي كانت تحدث سابقًا، خاصة في ما يتعلق بمنح أو حجب الإجازات بحسب تقدير الإدارات المختلفة.

ومن جهة أخرى، فإن منح صلاحية العمل عن بعد في فترة ما بعد الخمسة أيام، يُعد توجهًا يعكس مرونة إدارية جديدة، ويؤكد على الاستفادة من أدوات التقنية واستثمار نماذج العمل الحديثة في تسيير الأعمال الحكومية دون الحاجة لوجود فعلي داخل مقار العمل.

وقد جاءت هذه التعديلات استجابة للواقع المتغير في طبيعة العمل الحكومي، خاصة بعد التوسع في التعاقد مع الكفاءات وتنوع الأنماط الوظيفية، ما استلزم مراجعة السياسات القديمة وتحديثها لتشمل مختلف الفئات ضمن أطر مرنة ومتطورة.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه يدعم استراتيجية التحول الوطني التي تشدد على رفع كفاءة الإنفاق وتحقيق العدالة في بيئة العمل، حيث تعكس هذه القرارات مدى التقدم في التفكير الإداري نحو تكافؤ الفرص وإزالة الفروقات بين مختلف الأنماط الوظيفية داخل الجهاز الحكومي.

ومن شأن هذه القرارات أن ترفع من جاذبية العمل في القطاع الحكومي، خاصة للفئات المتخصصة التي قد تتردد في الالتحاق بالوظائف الحكومية بسبب الفروقات في الامتيازات، إذ يُعد تحقيق التكافؤ في الإجازات عنصرًا مؤثرًا في اختيار بيئة العمل المناسبة.

كما يُتوقع أن تشهد الفترة القادمة صدور تعليمات تنفيذية أكثر تفصيلًا من وزارتي المالية والموارد البشرية، لتحديد الفئات الإضافية التي ستخضع لهذه التنظيمات، مما يضع الجهات الحكومية أمام مسؤولية التكيّف السريع مع اللوائح الجديدة وضمان تطبيقها بالشكل الأمثل.

وفي ظل هذا التوجه، يبدو أن الدولة تواصل مساعيها لتحديث وتوحيد الأنظمة الإدارية، بما يكفل الحفاظ على الأداء العالي داخل مؤسساتها، ويضمن حقوق جميع العاملين، سواء كانوا على بند الخدمة المدنية أو ضمن التعاقدات المختلفة، وفق مرجعيات تنظيمية حديثة ومتطورة.