نشرت جريدة أم القرى الرسمية صباح الجمعة تفاصيل قرارات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للعقار في المملكة العربية السعودية، تقضي بإطلاق مرحلة جديدة من التسجيل العيني للعقار في مناطق محددة من المنطقة الشرقية، وكذلك المنطقة العقارية الخامسة والسبعين ضمن محافظة جدة التابعة لمنطقة مكة المكرمة، في خطوة تستكمل خارطة التحول التنظيمي الذي تشهده السوق العقارية في المملكة منذ سنوات.
وتأتي هذه الخطوة في إطار المساعي المستمرة للهيئة العامة للعقار نحو تنظيم سوق العقارات، وتحديث السجل العقاري الوطني، وتحقيق أعلى مستويات الشفافية في ملكية الأراضي والممتلكات، حيث يُعد التسجيل العيني أحد أكثر النظم العقارية موثوقية لاعتماد الملكيات والحدود والمواقع بشكل رسمي ونهائي.
ووفقاً لما ورد في إعلان الهيئة، فإن الأعمال الفعلية للتسجيل العيني ستبدأ في المنطقة الشرقية، وتحديداً في محافظة الأحساء، اعتبارًا من يوم 27 يوليو 2025، الموافق 2 صفر 1447هـ، وتستمر حتى يوم 23 أكتوبر 2025، الموافق 1 جمادى الأولى 1447هـ، وهي فترة زمنية حددتها الهيئة بدقة لإتاحة المجال لأصحاب العقارات لتقديم الطلبات واستكمال الإجراءات النظامية.
ويتضمن القرار بدء التسجيل في أكثر من عشرين حيًا سكنيًا في الأحساء، شاملة أحياءً سكنية وتعليمية وزراعية، حيث بلغ عدد القطع العقارية المشمولة في هذه المرحلة نحو 14,878 قطعة، وهو ما يعكس حجم العمل المتوقع، وأهمية التوسع في تطبيق النظام العيني في واحدة من أكبر المحافظات شرقي المملكة.
ومن أبرز الأحياء المستهدفة في الأحساء: حي الريان، حي الواحة، حي المجيدية، وجزء من الحزام الأخضر، إلى جانب مناطق تابعة لجامعة الملك فيصل، وعدد من الأحياء التي تُمثل مناطق سكنية مكتظة بالسكان، كما تشمل المرحلة أجزاءً من المناطق الزراعية، مما يُبرز اهتمام الهيئة بإدراج مختلف أنواع العقارات ضمن المنظومة الجديدة.
وفي السياق ذاته، أعلنت الهيئة عن انطلاق التسجيل العيني للعقار في المنطقة العقارية الخامسة والسبعين في محافظة جدة، بدءًا من يوم 24 أغسطس 2025، الموافق 1 ربيع الأول 1447هـ، وحتى 27 نوفمبر 2025، الموافق 6 جمادى الآخرة 1447هـ، حيث شمل القرار جزأين من أحياء الشاطئ والأندلس، وهي من المناطق السكنية المعروفة في المدينة.
وأكدت الهيئة أن اختيار الأحياء جاء بناءً على معايير فنية وتنظيمية، شملت الجاهزية الفنية للبنية التحتية، ومستوى التوثيق العقاري السابق، إضافة إلى الحاجة إلى تنظيم الملكيات وتحسين الخدمات العدلية، ما يجعل تطبيق نظام التسجيل العيني في هذه الأحياء نموذجًا أوليًا للتوسع القادم في بقية مناطق المملكة.
ويهدف نظام التسجيل العيني إلى تعزيز ثقة المستثمرين والمالكين والمشترين في سوق العقارات، حيث يُعد مرجعية قانونية ونهائية تثبت الملكية والموقع والحدود بشكل دقيق، مما يُسهم في تقليل النزاعات العقارية، ورفع كفاءة التخطيط العمراني، وتسريع وتيرة التطوير العقاري.
ويُمثل الإعلان الأخير خطوة متقدمة في تطبيق مبادرة التسجيل العيني التي تم إقرارها سابقًا ضمن خطط الهيئة العامة للعقار، والتي تسعى إلى تسجيل جميع العقارات في المملكة بشكل رقمي وفق نظام معلومات موحد، يُسهم في تكامل البيانات بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
وتُشير الإحصاءات العقارية إلى أن تنفيذ نظام التسجيل العيني للعقار سيسهم في تحفيز الحركة الاقتصادية في القطاع، إذ إن وجود سجل عقاري واضح ودقيق يعزز من ثقة البنوك في تقديم التمويلات العقارية، كما يُشجع على الشفافية في عمليات البيع والشراء، ويقلل من المخاطر القانونية المرتبطة بتعدد الوثائق أو ازدواجية الملكيات.
وتؤكد الهيئة العامة للعقار أن هذه المرحلة تمثل جزءًا من خطة شاملة تغطي جميع مناطق المملكة، حيث سيتم الإعلان تباعًا عن أحياء ومحافظات أخرى، مشيرةً إلى أن الإعلان المبكر يهدف إلى إعطاء الوقت الكافي للمواطنين والمقيمين والملاك للاستعداد وتحديث بياناتهم، بما يضمن سلاسة إجراءات التسجيل.
وقد دعت الهيئة في وقت سابق المواطنين والجهات ذات العلاقة إلى التعاون الكامل مع الفرق الميدانية والجهات المختصة، كما أكدت أهمية الاستجابة للدعوات الرسمية والإعلانات التي تُصدر تباعًا لتحديد مواعيد التسجيل ومواقع المراكز المعتمدة لتلقي الطلبات والمستندات.
ويمثل تطبيق نظام التسجيل العيني تحولا جذريا في مفهوم حيازة العقارات، إذ يُخرج الملكية من نطاق الأوراق العرفية إلى النطاق القانوني الملزم، ما يمنح الملاك مزيدًا من الضمانات، ويفتح آفاقًا واسعة للاستفادة من أصولهم العقارية بشكل نظامي وآمن.
وفي ضوء تسارع التوسع العمراني والسكاني الذي تشهده المملكة، يُنتظر أن يُحدث نظام التسجيل العيني فارقًا ملحوظًا في تنظيم السوق وضبط الأسعار، وتقليص مظاهر العشوائية العقارية، وتحسين البيئة الحضرية، لا سيما في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية.
ويأتي هذا التوجه في ظل الرؤية الوطنية للمملكة 2030، والتي وضعت القطاع العقاري ضمن القطاعات المحورية لتنويع الاقتصاد، وتحقيق التنمية المستدامة، إذ يمثل النظام العقاري الحديث أحد الممكّنات الأساسية لتحقيق التوازن بين التطوير والحفاظ على الحقوق.
وتعمل الهيئة العامة للعقار على تسخير التقنيات الرقمية الحديثة في تنفيذ هذه الخطوة، من خلال تطوير منصات إلكترونية لتسهيل إجراءات التسجيل، وربط السجل العقاري بالخرائط الجغرافية الدقيقة، مما يُعزز من جودة البيانات العقارية، ويدعم توجه الدولة نحو التحول الرقمي الكامل.
كما أشادت الهيئة بتفاعل المجتمع مع مراحل التسجيل السابقة، مؤكدةً أن حجم الإقبال يعكس الوعي المتزايد لدى المواطنين بأهمية توثيق ملكياتهم ضمن سجل عقاري موثوق، وهو ما يعزز من فرص الاستقرار الأسري والاقتصادي، ويضمن الحقوق في حالات التوارث أو البيع أو التأجير.
وتبقى عملية التسجيل العيني للعقار خطوة مفصلية في إعادة تنظيم المشهد العقاري في المملكة، حيث يُنتظر أن تُشكل هذه المرحلة قاعدة انطلاق نحو مرحلة أكثر نضجًا وشفافية في إدارة الأراضي والممتلكات، بما يُحقق تطلعات القيادة في بناء قطاع عقاري متكامل ومستدام.