في خطوة تنظيمية تعد من أبرز التحركات الحكومية لضبط جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين في المملكة، أعلن مجلس إدارة الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء عن اعتماد تعديل وثيقة دليل معايير مستوى الخدمة الكهربائية، القرار الذي نُشر رسميًا عبر جريدة أم القرى الرسمية يهدف إلى رفع كفاءة الأداء وتحقيق الشفافية، وذلك ضمن سعي الهيئة إلى تحسين العلاقة بين مقدم الخدمة والمستهلك وتعزيز الثقة بين الطرفين.
وجاء القرار بعد سلسلة من المراجعات التنظيمية، حيث استند المجلس إلى مجموعة من الأنظمة واللوائح ذات الصلة التي تمنحه الصلاحيات لإقرار مثل هذه التعديلات، واشتمل القرار على اعتماد التعديل الجديد ضمن دليل "المعايير المضمونة"، والتي من شأنها أن تحدد مستويات الخدمة التي يتعين على مقدمي الكهرباء الالتزام بها، مع وضع آلية واضحة لتعويض المستهلكين في حال الإخفاق.
وتهدف الوثيقة المعدلة إلى تحفيز مقدمي الخدمة الكهربائية على الالتزام بجودة الأداء وتحقيق مستوى متقدم من الخدمة، حيث تنطبق هذه المعايير على جميع الجهات المرخص لها بنقل أو توزيع الكهرباء أو البيع بالتجزئة، وتشمل كافة شرائح المستهلكين من سكنيين وتجاريين وصناعيين وغيرهم دون استثناء، ما يعكس توجهاً شاملاً نحو تحسين البنية التحتية للخدمة.
وتغطي المعايير المعتمدة جوانب متعددة تبدأ من سرعة تسجيل العداد باسم المستهلك، ومدة إيصال الخدمة الكهربائية أو تعديلها، إلى فترات إعادة التيار بعد الانقطاع سواء كان مخططًا أو طارئًا، حيث أصبحت كل هذه المؤشرات خاضعة لمعايير زمنية ملزمة، ويترتب على أي إخلال بها دفع تعويض مالي مباشر للمستهلك، دون الحاجة لتقديم شكوى.
وبموجب التعديلات الجديدة، فإن عدم تسجيل العداد باسم المستهلك خلال ثلاثة أيام عمل من تقديم الطلب يستوجب تعويضًا ماليًا قدره مئة ريال، مع إضافة عشرين ريالًا عن كل يوم تأخير، كما حُددت مدة إيصال الخدمة الكهربائية بعشرين يومًا في بعض الحالات وستين يومًا في حالات أخرى تتعلق بالجهد الكهربائي المستخدم، مع تعويضات تبدأ من أربعمئة ريال وتتزايد مع التأخير.
أما في حال فصل الخدمة عن المستهلك نتيجة عدم السداد، ثم قام بالسداد، فيلزم مقدم الخدمة بإعادة التيار خلال ساعتين فقط، وإلا استحق المستهلك تعويضًا مالياً تصاعديًا عن كل ساعة تأخير، كذلك ألزمت المعايير مقدم الخدمة بالإشعار المسبق عند تنفيذ أي انقطاع مخطط، وفي حال تجاهل هذا الإجراء يتحمل مقدم الخدمة دفع تعويض عن كل مخالفة.
وحددت الوثيقة ست ساعات كحد أقصى لإعادة التيار بعد انقطاع مخطط، وثلاث ساعات فقط في حالة الانقطاعات الطارئة غير المخطط لها، أما في حالات الانطفاء الشامل التي تؤثر على مدينة أو محافظة كاملة، فتُمنح مهلة ست ساعات فقط، وبعدها يحق للمستهلكين المطالبة بتعويض قد يصل إلى ألف ريال، وذلك في إطار سقف مالي لا يتجاوز مئتي مليون ريال لكل حالة انطفاء شامل.
ومن القضايا الجوهرية التي شملتها المعايير أيضًا منع فصل التيار الكهربائي في الأوقات أو الحالات المحظورة، مثل فترات الامتحانات أو الأعياد أو في ظل ظروف صحية معينة، وفي حال ثبوت المخالفة، يُلزم مقدم الخدمة بإعادة التيار فورًا وتعويض المتضرر بمبلغ مالي يبلغ خمسمئة ريال، وهو ما يعكس اهتمام الهيئة بجوانب إنسانية وأخلاقية في تقديم الخدمات.
كما لم تغفل الوثيقة عن حقوق المستهلكين عند التقدم بشكاوى تتعلق بالفواتير، حيث ألزمت مقدمي الخدمة بمعالجة الشكاوى خلال خمسة أيام عمل، وإذا لم يتم الالتزام بذلك فهناك تعويضات مالية محددة أيضًا، ما يشير إلى تعزيز آليات الشفافية والمساءلة تجاه المواطنين.
وفي إطار تحقيق العدالة الآلية، ألزمت الهيئة مقدمي الخدمة بتهيئة أنظمتهم لحساب التعويضات تلقائيًا ودفعها للمستهلكين دون مطالبة، وذلك خلال عشرة أيام عمل فقط، إما عبر خصم الفاتورة أو تحويل المبلغ إلى الحساب المصرفي، الأمر الذي يسهم في تقليل التظلمات ويسرع عملية التعويض.
ومن الجدير بالذكر أن الهيئة منحت لمقدمي الخدمة الحق في تقديم مبررات رسمية خلال خمسة أيام عمل في حال كان الإخفاق في تقديم الخدمة ناتجًا عن ظروف خارجة عن السيطرة، مثل الكوارث الطبيعية أو الظروف الجوية القاسية، حيث ستقوم الهيئة بتقييم الموقف والتحقق من أسبابه قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن التعويض.
ويُعد هذا القرار خطوة مهمة نحو تطوير سوق الكهرباء في المملكة وتعزيز الثقة بين المستهلك والجهة المقدمة للخدمة، إذ تتماشى هذه التعديلات مع رؤية المملكة 2030 التي تولي تحسين جودة الحياة أولوية كبرى، خصوصًا من خلال ضمان توفر الخدمات الأساسية بكفاءة وموثوقية عالية.
كما يمثل القرار دفعة جديدة نحو ضبط العلاقة التعاقدية بين الطرفين، حيث لم يعد مقدم الخدمة يحتكر شروط تقديمها، بل أصبح مطالبًا بالتقيد بضوابط ومعايير واضحة، يُحاسب عليها في حال الإخلال، بما يعزز من تنافسية السوق ويحفز تحسين الأداء المؤسسي في قطاع الطاقة.
ويُتوقع أن يكون لهذا القرار انعكاسات مباشرة على المواطنين، حيث سيشعر المستهلك بمزيد من الأمان القانوني تجاه حقوقه، لا سيما وأن الوثيقة تحدد بدقة الحالات التي يستحق فيها التعويض وقيمته وطريقة صرفه، ما يجعل العملية أكثر وضوحًا وأقل عرضة للتأويل أو التعسف.
وفي ذات السياق، فإن الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء تؤكد بهذا القرار دورها كمظلة رقابية تتابع أداء القطاع وتضبط معاييره، مما يعزز من جودة الخدمات ويرفع من مستوى رضا العملاء، ويؤكد جدية الدولة في تطوير البنية التحتية للخدمات بما يتماشى مع تطلعات المواطنين.