في إعلان رسمي يعكس عمق التحالف الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، كشف البيت الأبيض عن تفاصيل اتفاقيات اقتصادية وعسكرية غير مسبوقة، تم التوصل إليها بين الجانبين خلال المرحلة الأخيرة من الحوار الثنائي رفيع المستوى، مؤكداً أن المملكة تعتزم ضخ استثمارات مباشرة تصل إلى 600 مليار دولار داخل الاقتصاد الأميركي.
ويأتي هذا الاستثمار الهائل في إطار تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، ودعم النمو المتبادل، وخلق فرص وظيفية واستثمارية عبر مجموعة واسعة من القطاعات تشمل الطاقة والتقنية والصناعة والبنية التحتية.
وأوضح البيت الأبيض في بيانه أن البلدين وقّعا أيضاً اتفاقية دفاعية ضخمة بقيمة 142 مليار دولار، تُعد الأضخم من نوعها في سجل العلاقات العسكرية السعودية – الأميركية، وتشمل حزمة متنوعة من صفقات التسليح، والتدريب، والدعم الفني واللوجستي الموجه لتعزيز قدرات القوات المسلحة السعودية.
وأشار البيان إلى أن أكثر من 12 شركة أميركية متخصصة في الصناعات العسكرية ستشارك في تنفيذ هذه الاتفاقيات، وذلك من خلال تزويد المملكة بأحدث أنظمة الأسلحة والتقنيات الدفاعية، بما يتماشى مع رؤية السعودية لتحديث وتوطين الصناعات الدفاعية في إطار "رؤية 2030".
تشمل الاتفاقية الموقعة عدة أبعاد تتجاوز بيع المعدات العسكرية، حيث تركز أيضاً على نقل المعرفة والتقنيات، وتقديم برامج تدريبية عالية المستوى تستهدف بناء كوادر سعودية مؤهلة في مختلف التخصصات العسكرية، من التشغيل إلى الصيانة، مروراً بالتخطيط والقيادة التكتيكية.
ويؤكد هذا النهج أن السعودية تسعى ليس فقط لامتلاك قدرات دفاعية متطورة، بل أيضاً لبناء قوات وطنية محترفة قادرة على التشغيل الذاتي والتكامل الإقليمي، ما يعزز أمنها القومي ويدعم الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
من جهتها، رحّبت الأوساط الاقتصادية الأميركية بالإعلان عن ضخ 600 مليار دولار من الاستثمارات السعودية في السوق الأميركية، لما تمثله من فرصة ضخمة لإعادة تنشيط قطاعات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا، خاصة في ظل التوجه الأميركي لرفع كفاءة الاستثمارات الأجنبية وتحقيق شراكات طويلة الأمد تعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني.
وتشير هذه الخطوة إلى أن الرياض وواشنطن تتبنيان نهجاً مشتركاً يقوم على المصالح المتبادلة والتكامل الاستثماري، في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تحولات كبيرة تتطلب تعاوناً عابراً للحدود.
رغم ضخامة الأرقام المعلنة في الجانب الدفاعي، إلا أن المراقبين يعتبرون أن هذه الاتفاقيات تمثل جزءاً من خارطة تحالف أوسع تشمل الاقتصاد، الأمن، التقنية، والسياسة، بما يؤسس لتحالف متعدد الأبعاد بين بلدين يجمعهما تاريخ طويل من التعاون.
ويوضح خبراء الدفاع أن الاتفاقية تُشكل ركيزة أساسية لتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة، بدءاً من تهديدات الممرات البحرية وحتى الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، كما أن التدريب العسكري الأميركي للقوات السعودية يمثل استثماراً في الاستقرار طويل الأمد، ويعكس ثقة واشنطن المتزايدة بقدرات المملكة الدفاعية.
ومن بين الشركات المشاركة في الحزمة الدفاعية العملاقة: شركات مثل لوكهيد مارتن، رايثيون، بوينغ، ونورثروب غرومان، والتي ستتولى إنتاج وتوريد مجموعة من الأنظمة العسكرية المتطورة تشمل الطائرات، أنظمة الدفاع الجوي، الرادارات، والطائرات المسيرة، إلى جانب أنظمة القيادة والسيطرة.
وأكد البيت الأبيض أن الاتفاقات الجديدة تفتح الباب أمام شراكات صناعية وتكنولوجية أوسع بين القطاع الخاص السعودي والأميركي، مع التزام واضح بنقل المعرفة وتوفير فرص التدريب والابتعاث، والمساهمة في تنمية الكفاءات الوطنية في قطاع الصناعات الدفاعية.
تجسد هذه الاتفاقيات الضخمة عمق التحالف السعودي – الأميركي، وتؤكد التزام البلدين بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، وبناء علاقات اقتصادية تستند إلى الاستثمار في المستقبل، كما تعكس الرؤية السعودية للانتقال من مجرد المستورد إلى الشريك والمطور للقدرات، وهي خطوة نوعية في مسار التطوير الدفاعي والتقني والاقتصادي للمملكة.