أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موافقته على السفر هذا الأسبوع إلى تركيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً أن حضوره محادثات السلام في إسطنبول مشروط بحضور بوتين شخصياً كدليل على جدية موسكو في إنهاء الحرب، وطالب بوقف إطلاق نار شامل لمدة شهر قبل بدء النقاشات لمنح الدبلوماسية فرصة للعمل، وقد رحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بهذه المبادرة واعتبرها فرصة تاريخية لا ينبغي تفويتها، مؤكداً استعداد بلاده الكامل لاستضافة أي مفاوضات تهدف إلى تحقيق سلام عادل.
فيما أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اهتماماً كبيراً بهذا المسعى وأرسل وفداً من كبار مستشاريه إلى إسطنبول للمساعدة في التوصل إلى هدنة سريعة، مشيراً إلى أنه قد يرافق زعماء البلدين في اللقاء إذا رأى أن ذلك سيساعد على وقف نزيف الدماء. في كييف، حمل زيلينسكي روسيا مسؤولية استمرار القتال وكرر دعوته إلى فرض المزيد من العقوبات على موسكو إذا لم تستجب لمبادرة وقف النار، قائلاً إن صمت الكرملين حتى الآن حول موعد القمة يدل على أنه لا يريد حقاً إنهاء الصراع.
أما في موسكو فقللت السلطات من أهمية المطالب الغربية لوقف فوري للقتال، وأعلنت أنها مستعدة للتفاوض “بغير شروط مسبقة” ولكن بعد تحقيق مطالب أمنية روسية حاسمة تشمل تجميد انضمام أوكرانيا للناتو وإيقاف الدعم العسكري الغربي لكييف، مطالباً كييف بتقديم تنازلات على غرار الاجتماعات السابقة.
وفي إطار الجهود الإقليمية والدولية للوساطة، حثّ أردوغان الجانبين على الاستفادة من هذا “الانفتاح التاريخي” نحو السلام، وأكد أنه يتواصل هاتفياً مع بوتين وزعماء غربيين لتعزيز فرص عقد القمة، بينما شكرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أنقرة على دورها الوسيط ودعت روسيا إلى القبول بوقف كامل للنار لمدة 30 يوماً على غرار الجانب الأوكراني، معربة عن دعمها لمبادرة السلام التركية. كما أعلن الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا أنه سينقل إلى بوتين شخصياً رسالة زيلينسكي لدعوته إلى إسطنبول، في خطوة تعكس رغبة دول أخرى في تسهيل المصالحة، في الوقت الذي يصعد فيه قادة الاتحاد الأوروبي تحذيراتهم ويهددون بفرض حزمة عقوبات غربية جديدة على روسيا حال استمر رفضها وقف القتال.
من جهة أخرى، زادت ضغوط واشنطن على وتيرة المفاوضات حيث قال مستشارو ترامب الذين تواجدوا في تركيا إنهم سيعملون على إقناع الطرفين بقبول هدنة، وألمح ترامب نفسه من السعودية إلى أنه قد يسافر إلى إسطنبول إذا اقتضى الأمر، واصفاً الاجتماع بأنه خطوة “بالغة الأهمية” قد توقف إراقة الدماء. وقد أكد زيلينسكي أن دعوة ترامب لحضور المباحثات تهدف إلى دفع بوتين إلى القمة، مؤكداً أن بلاده مستعدة لبذل كل الجهود لأجل وقف النار والتوصل إلى اتفاق، خاصة أن الجيش الأوكراني لا يزال يخوض معارك ضارية على الأرض رغم هذه المحادثات المستقبلية. وقال مسؤولون أوكرانيون إن روسيا شنت منذ يومين عشرات الهجمات على الجبهات الشرقية، وإن عدد الاشتباكات اليومية بلغ مستويات عالية، بما يعيق فرص وقف ملموس للقتال قبل القمة.
ويأتي هذا الزخم الدبلوماسي في ظل تصاعد المعارك الميدانية؛ فقد استهدفت الصواريخ والقذائف المدن الأوكرانية كخاركيف، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وردّت أوكرانيا بشن ضربات بطائرات بدون طيار على مواقع داخل روسيا قرب الحدود، وهو ما ثبتته التقارير الأمنية. وفي الوقت نفسه، قرّرت بروكسل توسيع نطاق العقوبات لإخضاع الاقتصاد الروسي بشكل أقسى، حيث اعتمدت حزمة أوروبية جديدة استهدفت أساطيل ناقلات متحايلة على الحظر وأعلنت أنها ستواصل تحضير تدابير أوسع تشمل قطاعات الطاقة والمالية إذا استمر رفض موسكو وقف إطلاق النار.
وأوضح مسؤولون أوروبيون أن التحرك الدولي مشترك مع واشنطن لضمان فعالية العقوبات، كما نبهت تركيا إلى دعمها لوحدة الأراضي الأوكرانية، مع استعدادها لنشر مراقبين دوليين لمتابعة أي هدنة يتم التوصل إليها. ويشكّل عقد القمة في إسطنبول اختباراً حقيقياً لقدرة الزعماء على تحويل هذه الضغوط والجهود الدبلوماسية إلى وقف دائم للقتال، إذ يتنظر العالم رؤية ما إذا كان الحوار سينجح في فتح طريق نحو السلام أم ستبقى العقبات والصراع عنواناً للحرب.