شهدت الأسواق العالمية في بداية تعاملاتها اليومية حالة من الاستقرار الملحوظ في أسعار النفط، حيث حافظت العقود الآجلة للخام على مستوياتها المرتفعة التي تُعد الأعلى منذ نحو أسبوعين، مدعومة بجملة من التطورات الاقتصادية والسياسية الإيجابية التي عززت من الثقة في مستقبل الطلب العالمي على الطاقة، وعلى رأسها التقارب التجاري المؤقت بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، فضلاً عن التراجع الطفيف في قيمة الدولار الأمريكي، مما أسهم في تحسين القدرة الشرائية للمتعاملين بالعملات الأخرى.
وفي تفاصيل حركة الأسعار، سجلت العقود الآجلة لخام برنت، وهو المؤشر القياسي العالمي للنفط، انخفاضًا طفيفًا بلغ نحو 10 سنتات أمريكية، أي ما يعادل 0.15 في المئة، لتستقر عند مستوى 66.53 دولارًا للبرميل، وذلك بعد سلسلة من المكاسب المتتالية خلال الأيام الماضية، وفي المقابل، تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط، وهو الخام الأمريكي المرجعي، بمقدار 7 سنتات، بما يعادل انخفاضًا بنسبة 0.11 في المئة، ليستقر عند 63.60 دولارًا للبرميل، ما يعكس درجة من الحذر في الأسواق رغم التحسن العام في المعنويات.
ويُعزى هذا الأداء الإيجابي في الأسواق إلى إعلان الجانبين الأمريكي والصيني عن التوصل إلى تفاهم مؤقت يقضي بخفض بعض الرسوم الجمركية المتبادلة، في خطوة تعكس نوايا الطرفين في تخفيف حدة التوترات التجارية التي ألقت بظلالها الثقيلة على الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية، وتُعد هذه الخطوة بمثابة بارقة أمل للمستثمرين، حيث من شأنها دعم النمو الاقتصادي العالمي وزيادة الطلب على الطاقة، وهو ما انعكس سريعًا على حركة تداول النفط في البورصات العالمية.
ويُضاف إلى ذلك تراجع الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية، وهو عامل محوري في تحريك أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها النفط الخام، إذ يؤدي انخفاض الدولار إلى تقليل تكلفة شراء النفط للمستوردين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يعزز من مستويات الطلب، وبالتالي يدفع بالأسعار نحو الارتفاع أو يساهم في استقرارها عند مستويات مرتفعة.
ويرى خبراء في الشأن النفطي أن هذه العوامل مجتمعة تُعطي الأسواق زخمًا قصير الأجل، لكنها لا تُلغي حقيقة وجود تحديات هيكلية لا تزال تلقي بثقلها على آفاق السوق، مثل التقلبات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو في بعض الاقتصادات الكبرى، فضلاً عن حالة عدم اليقين التي تحيط بالسياسات النقدية للبنوك المركزية، لا سيما الفيدرالي الأمريكي، في ظل صراع مستمر بين دعم النمو الاقتصادي وكبح التضخم.
وفي هذا السياق، تتابع الأسواق عن كثب بيانات المخزونات النفطية في الولايات المتحدة، والتي تُعد مؤشراً رئيسياً على توازن العرض والطلب في السوق، حيث أن أي انخفاض في المخزونات يُفسَّر على أنه مؤشر إيجابي يعزز من أسعار النفط، والعكس صحيح، كما تترقب الأسواق نتائج اجتماعات "أوبك بلس"، والتي تلعب دورًا محوريًا في ضبط الإمدادات وتحديد الاتجاهات السعرية من خلال قراراتها المتعلقة بالسياسات الإنتاجية.
ومن ناحية أخرى، لا يغيب عن المشهد تأثير العوامل المناخية والأزمات الجيوسياسية، مثل التوترات في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحالة عدم الاستقرار في بعض دول أمريكا اللاتينية المنتجة للنفط، والتي قد تؤثر على الإمدادات العالمية وتُحدث تقلبات مفاجئة في الأسعار.
وبينما تبدو مؤشرات التفاؤل حاضرة على المدى القريب، إلا أن المستثمرين والمحللين يحذرون من الإفراط في التوقعات الإيجابية، خاصة في ظل استمرار التذبذبات المرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية العالمية والقرارات المفاجئة من قبل كبار المنتجين والمستهلكين على حد سواء، لذا فإن القراءة الدقيقة لحركة الأسواق تستوجب الحذر والترقب لما ستؤول إليه الأحداث خلال الأسابيع المقبلة.
وفي المجمل، تظل أسعار النفط مدفوعة بمزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والتقنية، وسط حالة من الترقب الحذر في أوساط المستثمرين، الذين يُعوّلون على استمرار التوافقات التجارية وخفض حدة التوترات العالمية لتحقيق مزيد من الاستقرار في أسواق الطاقة، وهو ما سينعكس بدوره على الاقتصاد العالمي بمزيد من التوازن والثقة.