أربعة مدربين يتحدّون الإقالات ويصمدون حتى نهاية الموسم
أربعة مدربين يتحدّون الإقالات ويصمدون حتى نهاية الموسم
كتب بواسطة: فاتن حامد |

في موسم كروي شهد تغييرات متسارعة أطاحت بعدد كبير من المدربين في مختلف أندية دوري المحترفين، لم يصمد أمام موجات الإقالة والتغييرات الفنية سوى أربعة مدربين، بقوا في مواقعهم متحدّين رياح التغيير ومثبتين أقدامهم بثبات في مشهد رياضي لا يعترف سوى بالنتائج، ورغم اختلاف ظروف الأندية وتباين طموحاتها، فإن القاسم المشترك بين هؤلاء المدربين الأربعة كان الانضباط الفني، وبناء الثقة مع إدارات الأندية، وتحقيق الحد الأدنى من الطموحات المطلوبة.

وبينما غيّرت أغلب الأندية مدربيها، إما بسبب تراجع الأداء أو للبحث عن دفعة فنية جديدة، ظل هؤلاء المدربون يمضون بخطى ثابتة، متحدّين الضغوط الجماهيرية والإعلامية التي عادةً ما تُرافق أي إخفاق مرحلي، وقد عكس بقاؤهم رغبة إدارات أنديتهم في المراهنة على الاستقرار الفني، إيمانًا بأن الاستمرارية أحيانًا تكون أكثر نفعًا من التغيير المتسرع.

المدرب الأول في قائمة "الصامدين" هو الذي نجح في قيادة فريقه إلى تحقيق نتائج متقدمة، مظهِرًا انسجامًا واضحًا مع اللاعبين، وفهمًا عميقًا لتفاصيل الدوري المحلي، وبفضل قراءته الجيدة للمباريات، وتحكمه في إدارة غرفة الملابس، نال ثقة الإدارة والجماهير، مما جعله يتجاوز عدة فترات حرجة خرج منها أقوى، وأثبت أن الثبات في المنهجية يمكن أن يكون سلاحًا فعّالًا في وجه تقلبات الموسم.

أما المدرب الثاني فقد جاء من تجربة طويلة داخل الدوري المحلي، مما منحه الأفضلية في فهم ثقافة النادي والبيئة المحيطة به، استطاع أن يوظف إمكانات الفريق بالشكل الأمثل، ونجح في تطوير أداء عدد من اللاعبين المحليين، وهو ما اعتبرته إدارة النادي مكسبًا استراتيجيًا على المدى الطويل، وتميّز هذا المدرب بالهدوء والعمل بعيدًا عن الأضواء، معتمدًا على فلسفة البناء المستدام بدلاً من اللهث خلف النتائج الآنية.

في حين أن المدرب الثالث أتى من خلفية أوروبية وواجه شكوكًا مع انطلاق الموسم، إلا أنه كسب احترام النقّاد بعد أن أظهر قدرة كبيرة على التعامل مع الضغوط، ومرونة تكتيكية مكنته من قلب نتائج عدة مباريات لمصلحة فريقه، وبدلاً من الاستسلام لحالة عدم الثقة، استثمر هذا المدرب في تحسين أداء الفريق دفاعيًا وهجوميًا، وفرض شخصية فنية جعلت من فريقه خصمًا صعبًا حتى أمام الكبار.

أما المدرب الرابع، فقد كان الأكثر إثارة للجدل في بداية الموسم، حيث اعتبر كثيرون أن اختياره لم يكن مدروسًا، لكن مع مرور الوقت، أثبت عكس ذلك تمامًا، وبفضل مهاراته في التعامل النفسي مع اللاعبين، وقدرته على التكيف مع التحديات، فرض هذا المدرب نفسه رقما صعبا في منظومة ناديه، وقد أظهرت نتائجه أنه لا يحتاج إلى أسماء لامعة ليبني فريقًا قادرًا على التحدي، بل إلى الانضباط والعمل الجماعي.

المفارقة اللافتة في هذا الموسم أن بقية الأندية لجأت إلى تغييرات متكررة في الجهاز الفني، بعضها تجاوز مدربين اثنين أو أكثر خلال الموسم، وهو ما انعكس سلبًا على الأداء الفني والاستقرار التكتيكي، ووسط هذا المناخ المتقلب، باتت الأندية التي احتفظت بمدربيها أشبه بجزر ثابتة وسط محيط مضطرب، وهو ما أعاد طرح تساؤلات حول جدوى الإقالات المتكررة وأثرها الحقيقي على النتائج.

ويرى محللون أن صمود هؤلاء الأربعة لا يعود فقط إلى الحصيلة النقطية أو ترتيب فرقهم، بل إلى عوامل أعمق تشمل التفاهم مع الإدارة، وقربهم من اللاعبين، وامتلاكهم رؤية فنية واضحة يجري تنفيذها بصبر ودقة، وبات واضحًا أن بعض الأندية بدأت تدرك أهمية "المدى الطويل" في التخطيط الفني، وأن النجاح لا يُقاس فقط بنتيجة مباراة أو اثنتين.

اللافت أيضًا أن الجماهير بدأت تُظهر تفهمًا أوسع لأهمية الاستقرار الفني، خصوصًا في ظل مشاهد متكررة لفشل التعاقدات الطارئة، التي غالبًا ما تُكلّف الأندية مبالغ طائلة دون عائد فني حقيقي، وتُعد قصة المدربين الأربعة الصامدين هذا الموسم تجسيدًا لقيمة الثقة والاستمرارية في زمن التحولات السريعة، ورسالة واضحة بأن الحكم على المدرب يجب أن يكون شاملاً لا لحظيًا.