جسّد تقرير التحول الصحي لعام 2024 إنجازات نوعية تمثل علامة فارقة في مسار تطوير قطاع الرعاية الصحية في المملكة، ضمن إطار مستهدفات رؤية السعودية 2030، وأبرز التقرير الجهود الحثيثة التي تقودها وزارة الصحة والجهات الشريكة في تحويل النظام الصحي من نموذج يركّز على علاج المرض، إلى نموذج يركز على الوقاية وجودة الحياة، وقد أظهر التقرير تحقيق قفزات مهمة في مجالات البنية التحتية، ورفع كفاءة الخدمات، وتوسيع التغطية الصحية، وتحسين تجربة المريض، إضافة إلى تسريع التحول الرقمي وتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
ولفت التقرير إلى أن منظومة التحول الصحي أصبحت أكثر تماسكًا وفعالية في تقديم الخدمات، حيث ارتفعت مؤشرات الأداء في عدد من المحاور الحيوية، مثل سرعة الحصول على الرعاية، ومستوى رضا المستفيدين، والاعتماد على الحلول الرقمية في تقديم الخدمة، وبيّن أن النموذج الجديد المعتمد في الرعاية الصحية يعتمد على توزيع الخدمات جغرافيًا بشكل أكثر عدالة، مع التركيز على الرعاية الوقائية، وتقديم خدمات صحية متكاملة ترتكز على احتياجات السكان في كل منطقة.
وقد أشار التقرير إلى التقدم الملحوظ في مستوى الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق الطرفية والنائية، بعد أن كانت تعاني في السابق من نقص في المرافق الطبية والكوادر المتخصصة، وتمكنت وزارة الصحة من تحسين انتشار المراكز الصحية والمستشفيات وفق خريطة احتياج دقيقة، كما تم تفعيل نماذج الرعاية الصحية الافتراضية، وخدمة العيادات عن بعد، بهدف تجاوز التحديات الجغرافية وضمان العدالة في تقديم الرعاية.
وفي مجال تطوير البنية التحتية، أظهر التقرير أن العام 2024 شهد تشغيل عدد من المشاريع الصحية الكبرى في مناطق متعددة، من بينها مستشفيات ومراكز تخصصية جديدة مزوّدة بأحدث التقنيات، كما جرى تحديث وتجهيز العديد من المنشآت القائمة لتواكب المعايير العالمية في الجودة وسلامة المرضى، وشملت التحسينات مجالات متعددة من ضمنها غرف العمليات، وأقسام الطوارئ، ووحدات العناية المركزة، ومراكز طب الأسرة.
أحد أبرز ما سلط عليه التقرير الضوء هو التقدم الملموس في التحول الرقمي الصحي، إذ توسّعت خدمات الملف الصحي الموحد، وتم ربط العديد من المنشآت الصحية ضمن منصة "نرعاك"، التي تُسهم في توحيد المعلومات الطبية وتحسين اتخاذ القرار، كما أُطلقت تطبيقات صحية جديدة تتيح حجز المواعيد، والحصول على استشارات طبية، وتوصيل الأدوية للمنازل، وهو ما ساهم في تسهيل تجربة المريض ورفع مستوى رضاه عن الخدمة.
أما في جانب الموارد البشرية، فقد ركز التقرير على جهود تمكين الكفاءات الوطنية في القطاع الصحي، من خلال برامج تدريب وابتعاث واستقطاب الكوادر المتميزة في مختلف التخصصات، وأظهرت الأرقام ارتفاعًا ملحوظًا في نسب السعودة في الوظائف الصحية، إلى جانب ارتفاع جودة المخرجات التعليمية للكليات الصحية، كما تم اعتماد برامج تطوير قيادات القطاع الصحي بما يضمن استدامة الأداء وتحقيق الأهداف المستقبلية.
وفيما يتعلق بالشراكة مع القطاع الخاص، أبرز التقرير الدور المتنامي لهذا القطاع في دعم منظومة الرعاية الصحية، سواء من خلال إنشاء وتشغيل منشآت جديدة، أو من خلال مبادرات التأمين الصحي والتعاقد الخارجي لتقديم خدمات متخصصة، وتتمثل رؤية التحول في تعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص لتحقيق نظام صحي مستدام، قادر على التوسع ومواكبة التغيرات السكانية والوبائية والاقتصادية.
يؤكد تقرير التحول الصحي 2024 أن المملكة تسير بخطى واثقة نحو بناء نموذج صحي رائد في المنطقة، يقوم على الوقاية أولًا، ويضمن الشمولية والجودة والعدالة. وتعكس هذه المنجزات تحولًا عميقًا في فلسفة تقديم الرعاية الصحية، من مفهوم المركزية والتدخل العلاجي، إلى نموذج مجتمعي تشاركي يضع صحة الإنسان وجودة حياته في مقدمة الأولويات، وفي ظل دعم القيادة ووضوح الرؤية، فإن الطريق نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية يبدو أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.