أسعار النفط
النفط يتراجع وسط إشارات ضعف الطلب في السوق الأمريكية
كتب بواسطة: حكيم خالد |

شهدت أسعار النفط العالمية تراجعًا طفيفًا خلال التعاملات المبكرة من صباح اليوم الخميس، في ظل استمرار التقلبات في الأسواق العالمية للطاقة، متأثرة بشكل رئيس بالتقارير الصادرة حول ارتفاع مخزونات البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما ألقى بظلاله على حركة التداول في سوق النفط الخام ودفع المتعاملين إلى ترجيح كفة وفرة المعروض على حساب مؤشرات الطلب.

فقد سجلت العقود الآجلة لخام برنت انخفاضًا بمقدار 21 سنتًا، ما يعادل نسبة 0.3%، ليتم التداول عند مستوى 64.65 دولارًا للبرميل، في حين هبطت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بمقدار 29 سنتًا، أي بنسبة 0.5%، ليصل سعر البرميل إلى 62.58 دولارًا، في مؤشر يعكس التفاعل السريع للأسواق مع المؤشرات الأميركية المتعلقة بمستويات المخزون النفطي ومشتقاته.

ويأتي هذا التراجع بعد صدور تقارير رسمية عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أفادت بأن مخزونات البنزين في الولايات المتحدة شهدت ارتفاعًا غير متوقع، ما أدى إلى انكماش الآمال المتعلقة بتحسن مستويات الطلب في أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للنفط عالميًا، وقد دفع هذا العامل المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم، في ظل تزايد الإشارات التي تفيد بوجود ضغوط من جانب العرض على سوق النفط، مقابل تراجع نسبي في مستويات الاستهلاك، لا سيما مع اقتراب فصل الصيف الذي عادة ما يشهد زيادة في الطلب على البنزين بسبب موسم السفر والعطلات.

وتعكس تحركات السوق الحالية حساسية أسعار النفط تجاه البيانات الأسبوعية المتعلقة بالمخزونات، حيث تعتبر تلك المؤشرات مرجعًا أساسياً لمتخذي القرار والمتعاملين في السوق لتقدير التوازن بين العرض والطلب، كما تمثل محفزًا مهمًا لتحديد مسار الأسعار على المدى القصير والمتوسط، وفي هذا السياق، فإن أي زيادة في مستويات المخزون، وبالأخص في منتجات مثل البنزين، يُنظر إليها على أنها مؤشر على تباطؤ الاستهلاك أو ارتفاع الإنتاج بشكل يتجاوز الحاجات الفعلية، مما يدفع الأسعار نحو التراجع.

من ناحية أخرى، تستمر الأسواق في مراقبة تطورات أخرى تؤثر على مشهد الطاقة العالمي، من بينها السياسات النقدية في الولايات المتحدة، والتقلبات في أسعار صرف الدولار، وحالة الاقتصاد الصيني باعتباره من أبرز مستهلكي الطاقة عالميًا، إلى جانب التوترات الجيوسياسية في مناطق الإنتاج الرئيسية، مثل الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي تلقي بدورها بظلال من عدم اليقين على مستقبل الإمدادات.

وفي الوقت ذاته، فإن تقلبات أسعار النفط تبقى أيضًا مرتبطة بشكل وثيق بسياسات الإنتاج التي تعتمدها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركاؤها ضمن تحالف "أوبك+"، الذين يعقدون اجتماعات دورية لتقييم أوضاع السوق واتخاذ قرارات بشأن مستويات الإنتاج بما يتماشى مع المستجدات، وتترقب الأسواق في هذا السياق أي إشارات من جانب التحالف بشأن استمرار سياسات خفض الإنتاج أو تعديلها، خاصة مع دخول السوق في مرحلة دقيقة تتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية الأسعار وعدم التسبب في فقدان الحصص السوقية لصالح منتجين آخرين.

وتبقى حالة الترقب سائدة بين المستثمرين، وسط مؤشرات مختلطة تتراوح بين تحسن بطيء في وتيرة التعافي الاقتصادي العالمي بعد جائحة كوفيد-19، وتأثيرات الحرب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى، والاتجاهات المتغيرة في أسواق الطاقة البديلة، والتقدم في مشاريع التحول نحو مصادر طاقة أكثر استدامة، وهي جميعها عوامل تفرض نفسها على مشهد أسعار النفط وتزيد من تعقيده.

وعلى الرغم من هذا الانخفاض، فإن مستويات الأسعار ما تزال تحتفظ بجزء كبير من المكاسب التي حققتها خلال الأشهر السابقة، مدعومة بتحسن عام في مناخ الاقتصاد العالمي وتوقعات ارتفاع الطلب خلال النصف الثاني من العام الجاري، ويرى محللون أن الانخفاض الحالي لا يعبر بالضرورة عن بداية موجة هبوطية، بل قد يكون حركة تصحيحية طبيعية في سياق دورة تداول متقلبة تحكمها اعتبارات آنية، في ظل انعدام وضوح الرؤية المستقبلية.

ويجدر الإشارة إلى أن السوق النفطية لا تتحرك بمعزل عن التطورات المرتبطة بمستويات الفائدة الأمريكية، إذ أن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تلعب دورًا مؤثرًا في تحديد اتجاه أسعار السلع الأساسية، وفي مقدمتها النفط، فارتفاع الفائدة قد يؤدي إلى تقوية الدولار، ما يجعل النفط المسعّر بالدولار أغلى ثمناً بالنسبة للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى، وبالتالي يؤثر على مستويات الطلب العالمي.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن المتعاملين في الأسواق العالمية يراقبون عن كثب أية تصريحات رسمية من قبل الجهات الأمريكية المعنية بشأن سياسات الطاقة، وكذلك أي توجهات من قبل تحالف "أوبك+"، خاصة فيما يتعلق بإمكانية تعديل خطط الإنتاج المستقبلية، تماشيًا مع المتغيرات القائمة والمستجدة، سعيًا لتحقيق توازن عادل بين الحفاظ على استقرار الأسعار ودعم تعافي الاقتصاد العالمي.

من ناحية أخرى، هناك توقعات بأن تشهد الأسواق مزيدًا من التذبذب خلال الأسابيع المقبلة، خصوصًا مع تزايد المؤشرات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة في الولايات المتحدة، والتي قد تؤدي إلى زيادة مؤقتة في استهلاك الكهرباء ومن ثم الطلب على المشتقات النفطية، ما قد يخفف مؤقتًا من الضغوط السعرية، ومع ذلك، تبقى هذه العوامل مرتبطة بظروف مؤقتة لا تُغني عن الحاجة إلى استقرار هيكلي في توازن العرض والطلب.

وبالنظر إلى هذه الخلفية المعقدة، فإن المستثمرين سيبقون على درجة عالية من الحذر، مع التركيز على المعطيات الآنية المتعلقة بمخزونات الوقود، وتوجهات كبار المنتجين، والمؤشرات الاقتصادية، حيث إن أي تطور طارئ قد يعيد رسم خارطة الأسعار من جديد، ويغير مواقف المستثمرين في لحظات.