تلقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، اتصالاً هاتفيًا من فخامة الدكتور مسعود پزشكيان، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في خطوة تعكس استمرار التواصل البناء بين قيادتي البلدين وتفتح آفاقاً إيجابية لتعزيز العلاقات الثنائية ضمن إطار الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وفي مستهل الاتصال، عبّر فخامة الرئيس الإيراني عن خالص شكره وتقديره للمملكة العربية السعودية قيادةً وحكومةً وشعباً على ما بذلته من جهود كبيرة في خدمة حجاج بيت الله الحرام لهذا العام، مشيدًا بالخدمات المتكاملة والمتميزة التي وفرتها الجهات السعودية المعنية للحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم، بما فيهم الحجاج الإيرانيون، وأكد فخامته أن هذه الجهود عكست كفاءة التنظيم ودقة التنسيق، وساهمت في تمكين الحجاج من أداء مناسكهم بيسر وسهولة في أجواء يسودها الأمن والطمأنينة.
كما قدم الرئيس الإيراني التهاني القلبية لصاحب السمو الملكي ولي العهد بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، سائلًا المولى عز وجل أن يُعيد هذه المناسبة السعيدة على المملكة قيادةً وشعباً بالمزيد من التقدم والازدهار، وعلى الأمة الإسلامية بالخير والسلام والوئام، وقد بادل سمو ولي العهد فخامته التهنئة بعيد الأضحى، معربًا عن أطيب أمنياته لإيران وشعبها بالاستقرار والرخاء، داعيًا الله أن يعيد هذه المناسبة المباركة على الأمتين العربية والإسلامية بمزيد من التلاحم والتآزر.
هذا الاتصال يأتي في توقيت مهم يؤكد أهمية استمرار قنوات الاتصال المباشر بين قيادة المملكة وقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ما ينسجم مع تطلعات البلدين نحو تجاوز التحديات الإقليمية والدولية عبر الحوار والتفاهم المشترك، والحرص على فتح صفحات جديدة في العلاقات الثنائية تقوم على أسس التعاون والاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فضلاً عن مراعاة المصالح المتبادلة.
وتُعد الإشادة الإيرانية بالتنظيم السعودي لموسم الحج لعام 1446هـ مؤشراً على النجاحات المتتالية التي تحققها المملكة في إدارة هذا الحدث الإسلامي العالمي، الذي يُعد من أكبر التجمعات البشرية السنوية وأكثرها حساسية من الناحية اللوجستية والتنظيمية والصحية والأمنية، كما تعكس هذه الإشادة حجم التقدير الدولي والإقليمي لما تقوم به المملكة من تطوير مستمر في منظومة خدمات الحج والعمرة، استنادًا إلى رؤية المملكة 2030 التي تضع "خدمة ضيوف الرحمن" في صميم أولوياتها الاستراتيجية.
ولعل ما يميز هذا الاتصال هو أنه يعزز النهج الدبلوماسي الذي تتبناه القيادة السعودية في التواصل مع الدول الإسلامية، وتأكيدها الدائم على وحدة الصف الإسلامي، وضرورة تعزيز التضامن بين الدول الإسلامية لمواجهة التحديات المشتركة التي تهدد استقرار المنطقة والعالم الإسلامي.
ويأتي هذا في ظل التحولات الإيجابية التي شهدتها العلاقات السعودية الإيرانية مؤخرًا، لاسيما بعد الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والذي تم بوساطة صينية، وما تبعه من خطوات عملية تمثلت في إعادة فتح السفارات، وتبادل الزيارات الرسمية، واللقاءات الوزارية، والبحث في ملفات التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي، وقد مثّل هذا التوجه نقلة نوعية في مسار العلاقات، وأعاد إلى المنطقة شيئاً من التوازن والديناميكية السياسية اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.
ويعكس مضمون الاتصال الهاتفي الأخير اهتمام القيادة الإيرانية بإظهار التقدير للمواقف السعودية، لا سيما في ما يتعلق بإدارة شؤون الحج وتوفير أعلى مستويات الخدمة لحجاج بيت الله الحرام من مختلف الجنسيات، بمن فيهم المواطنون الإيرانيون، وهو ما يعزز من فرص البناء على الثقة المتبادلة، وتذليل العقبات التي قد تعرقل مسيرة التقارب.
وفي ذات السياق، فإن التهنئة المتبادلة بمناسبة عيد الأضحى المبارك تعكس روح الأخوة الإسلامية والمشاعر المشتركة التي تجمع شعوب الأمة الإسلامية، وتجسد ما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول الإسلامية في مثل هذه المناسبات العظيمة، التي تذكر المسلمين بقيم التسامح، والوحدة، والتعاون، والرحمة.
ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية، ومنذ تأسيسها، تبنت سياسة ثابتة في ما يتعلق بخدمة الحجاج والمعتمرين، معتبرة ذلك شرفاً ومسؤولية كبرى تؤديها بكل تفانٍ وإخلاص، وقد حرصت على تسخير كل إمكانياتها ومواردها البشرية والتقنية والتنظيمية لضمان راحة ضيوف الرحمن، دون تمييز بينهم على أساس جنسياتهم أو انتماءاتهم، في ترجمة فعلية لقيم الإسلام وتعاليمه السامية.
ويُنتظر أن يُسهم هذا التواصل بين قيادة المملكة وقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فتح مزيد من قنوات التفاهم، سواء فيما يخص شؤون الحج أو في الملفات الثنائية والإقليمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك، بما يدعم مساعي السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ويعزز من فرص التنمية المتبادلة بين شعوبها.
إن مثل هذه الاتصالات الودية بين الزعماء تعكس أهمية البعد الشخصي في الدبلوماسية، ودوره في إزالة التوترات وتعزيز أواصر الثقة، خاصة في منطقة تشهد تحديات سياسية وأمنية معقدة تتطلب إرادة سياسية صادقة، وحواراً بناءً، وقيادات قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية شجاعة تضع مصلحة شعوبها فوق كل اعتبار.
وفي ضوء ما شهدته المنطقة من تطورات خلال العامين الماضيين، فإن استمرار هذا الزخم الإيجابي في العلاقات بين السعودية وإيران يمثل نقطة تحول مهمة يجب استثمارها من قبل صناع القرار في البلدين، للبناء على ما تحقق، وتكثيف اللقاءات وتوسيع آفاق التعاون ليشمل مجالات الاقتصاد، والصحة، والتعليم، والطاقة، ومكافحة التغير المناخي، وكل ما من شأنه أن يعود بالنفع على الشعبين وعلى الأمة الإسلامية بأسرها.
وتؤكد هذه المؤشرات أن العلاقات السعودية الإيرانية تسير نحو مرحلة جديدة من النضج والانفتاح، وهو ما يتطلب تهيئة بيئة إقليمية داعمة لهذا التوجه، وتشجيع المبادرات التي تسعى إلى رأب الصدع وتخفيف التوتر، مع تعزيز آليات الحوار والتنسيق المستدام بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنطقة.