واكبت الخطط التنظيمية والخدمية المعتمدة لحج هذا العام 1446هـ، مسيرة ضيوف الرحمن من مشعر مزدلفة إلى مشعر منى، في مشهد عكس مستوى الجاهزية العالية والكفاءة التشغيلية التي تتمتع بها منظومة خدمات الحج، والتي جرى تنفيذها تحت إشراف مباشر وتنسيق محكم بين مختلف الجهات المعنية، الأمنية منها والخدمية، ضمن إطار تشغيلي متكامل، ركّز على تسهيل تنقلات الحجيج، وضمان أدائهم لشعائرهم بكل يسر وسهولة.
وقد أسفرت هذه الجهود المتكاملة عن انسيابية لافتة في حركة الحشود، لا سيما في أوقات الذروة التي تشهد عادةً ازدحامًا كبيرًا، خاصة خلال تنقلهم إلى منشأة الجمرات لأداء شعيرة رمي جمرة العقبة الكبرى واستكمال مناسك أيام التشريق، وتم تنفيذ عمليات التفويج والنقل وفق خطط دقيقة راعت الاعتبارات الإنسانية، وسعت إلى تهيئة بيئة يسودها الأمن والسكينة والطمأنينة، تعكس الصورة الحضارية للمملكة في إدارة هذه الشعيرة العظيمة.
وارتكزت الخطة التشغيلية على استخدام تقنيات حديثة وأدوات ذكية في تتبع الحشود وإدارة تدفقاتهم، إضافة إلى تطبيق نماذج تشغيلية مدروسة، أسهمت في تحقيق أعلى درجات التنظيم والانضباط، رغم التنوع الهائل في خلفيات الحجاج الثقافية واللغوية والجغرافية، ونجحت الجهات المنظمة من خلال هذه الآليات في التعامل مع كثافة بشرية عالية بكفاءة عالية، دون تسجيل أي اختناقات مؤثرة أو إشكالات تذكر، وهو ما يؤكد نضج منظومة الإدارة الميدانية لموسم الحج.
في جانب النقل، واصل قطار المشاعر المقدسة أداءه المتميز بوصفه أحد أبرز المشاريع اللوجستية التي تدعم تفويج الحجاج بين المشاعر، حيث تم نقل أكثر من 604 آلاف حاج منذ بدء تشغيله لهذا الموسم، موزعين على ثلاث حركات رئيسة، وبلغ عدد الركاب في الحركة (أ) أكثر من 27 ألف راكب، بينما نقلت الحركة (ب) ما يزيد عن 283 ألف راكب، فيما سجلت الحركة (ج) النسبة الأعلى بواقع 294 ألف راكب، في مؤشر واضح على كفاءة التشغيل ودقة التنسيق بين مراكز التحكم الميدانية المختلفة.
وفي السياق ذاته، كشفت غرفة التحكم في مركز النقل العام التابع للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، عن استخدام أكثر من 23 ألف حافلة ضمن عمليات النقل، وزعت على ثلاث مسارات ترددية أساسية، بالإضافة إلى وسائل النقل التقليدية الأخرى، ما شكّل أكبر أسطول نقل يتم تشغيله على مساحة واحدة في العالم، وحقق أرقامًا قياسية في زمن الإفاضة الأولى، وسط إشادات واسعة من الفرق الدولية المتابعة لجودة الأداء.
أما في الجانب الصحي، فقد أكدت وزارة الصحة مواصلة تقديم خدماتها المتكاملة عبر منشآتها المنتشرة في مشعر منى، ومختلف المشاعر المقدسة، حيث بلغ عدد الخدمات الطبية المقدمة أكثر من 125,573 خدمة صحية، شملت تدخلات طبية متقدمة كإجراء 216 عملية قسطرة قلبية، و18 عملية قلب مفتوح، جميعها نُفذت بكفاءة عالية على يد كوادر سعودية مؤهلة في أحدث المراكز والمستشفيات المجهزة تقنيًا، ما يعكس تطور القدرات الطبية الوطنية ومدى الجاهزية العالية للتعامل مع الحالات الطارئة.
ومن جهة أخرى، واصلت وزارة الحج والعمرة جهودها التقنية لرفع كفاءة التفويج وتعزيز السلامة التنظيمية، حيث تم تنفيذ أكثر من 5.5 ملايين عملية قراءة إلكترونية لبطاقة "نسك"، وهي البطاقة الذكية الموحدة التي تُمثل إحدى أدوات التحول الرقمي في منظومة خدمات الحج، وتُعد هذه الخطوة نقلة نوعية في دعم القرار الميداني، ورصد حركة الحجاج وتوزيعهم مكانيًا وزمنيًا لضمان انتظام التفويج وتجنب التكدسات.
وبالتوازي مع ذلك، قام مركز العناية بضيوف الرحمن بتقديم أكثر من 310 آلاف خدمة تفاعلية شملت الرد على الاستفسارات وتقديم الدعم المباشر لحجاج بيت الله الحرام بمختلف اللغات، بما يعزز من جودة التواصل ويعكس الصورة الحضارية للضيافة السعودية، كما قامت فرق "امتثال" الميدانية التابعة لمراكز المتابعة الرقابية بتنفيذ أكثر من 65 ألف جولة رقابية على شركات ومؤسسات تقديم الخدمة، في إطار الجهود الرامية إلى رفع مستوى الجودة وضمان التزام مقدمي الخدمات بالمعايير التنظيمية.
وتُعد هذه الجهود المتكاملة ثمرة التخطيط المتقن والتنسيق المؤسسي بين جميع الجهات المشاركة في إدارة موسم الحج، تحت توجيهات القيادة الرشيدة -أيدها الله-، التي تضع خدمة ضيوف الرحمن على رأس أولوياتها، وتؤمن بأن نجاح موسم الحج لا يُقاس فقط بانتهاء الشعائر، بل بتحقيق أرقى مستويات الراحة والرضا لدى الحجاج من مختلف أنحاء العالم.
وتأتي هذه الإنجازات في سياق مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي وضعت تطوير منظومة الحج والعمرة كأحد المحاور الرئيسة للتحول الوطني، من خلال تسخير أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ورفع كفاءة الموارد البشرية، وتحسين جودة البنية التحتية، لضمان تجربة حج استثنائية، ويعكس ما تحقق في هذا الموسم مدى الالتزام بهذا التوجه، والإصرار على جعل المملكة نموذجًا عالميًا يُحتذى به في إدارة الحشود وتقديم الخدمات على نطاق واسع وفي بيئات متعددة التحديات.