في إطار الاستعدادات المكثفة لاستقبال موسم الحج، تواصل أمانة العاصمة المقدسة تنفيذ خططها الرقابية والتنفيذية الهادفة إلى ضمان سلامة الغذاء وصحة الحجاج، عبر منظومة متكاملة من الإجراءات المحكمة التي تشمل تنظيم أعمال الذبح والرقابة الصحية والبيئية على مدار الساعة، هذه الجهود تأتي في ظل توجيهات القيادة الرشيدة بتوفير أقصى درجات الأمان والخدمة لضيوف الرحمن، وبما يعكس الجاهزية العالية التي تتمتع بها منظومة العمل البلدي في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة.
وقد أعلنت الأمانة عن جاهزية مسالخ العاصمة المقدسة، البالغ عددها خمسة، لاستقبال الأضاحي خلال أيام التشريق، مؤكدة أنها استوفت كامل الاشتراطات الصحية والفنية، سواء من حيث البنية التحتية أو الكوادر العاملة أو أنظمة التشغيل، وتم تعزيز هذه المواقع بأكثر من 1,200 عامل متخصص، إلى جانب عدد من الأطباء البيطريين والمراقبين الصحيين، لضمان تنفيذ عمليات الذبح وفق معايير السلامة المعتمدة، والتعامل مع أي حالات مرضية محتملة بشكل فوري.
وتركز الأمانة على الرقابة الميدانية الصارمة، حيث تم تشكيل أكثر من 40 فرقة رقابية تجوب الأسواق والمحال الغذائية والمطابخ، وتعمل بشكل يومي على فحص اللحوم، ورصد المخالفات، ومنع الذبح العشوائي الذي قد يشكل خطرًا صحيًا وبيئيًا، كما تم ضبط عدد من المخالفات خلال الأيام الأولى من ذي الحجة، تمثلت في نقل لحوم بطرق غير صحية، وذبح في مواقع غير مرخصة، وقد تمت مصادرة المواد وإغلاق المواقع المخالفة، إضافة إلى إحالة المخالفين إلى الجهات المختصة.
ومن بين الإجراءات اللافتة التي تبنتها أمانة العاصمة هذا العام، تطبيق نظام المراقبة الذكية عبر الكاميرات وأجهزة التتبع في المسالخ الكبرى، مما يتيح متابعة لحظية لسير العمل وتقييم الأداء، ويعزز من سرعة اتخاذ القرار في حال وقوع أي خلل أو طارئ، كما تم إطلاق حملة توعوية موجهة للحجاج وسكان مكة على حد سواء، تحمل عنوان "ذبحك في المسلخ أمان لك ولغيرك"، وتستهدف تعزيز ثقافة الذبح النظامي والحد من الممارسات العشوائية، لا سيما في ظل ما قد ينجم عنها من تلوث أو انتقال للأمراض.
وفيما يتعلق بالنفايات الناتجة عن عمليات الذبح، أكدت الأمانة أنها أعدت خطة خاصة لإزالتها الفورية، بالتعاون مع الإدارة العامة للنظافة، من خلال توزيع أكثر من 300 سيارة وآلية متخصصة، تعمل على مدار 24 ساعة في أيام الذروة، وبلغ عدد الحاويات المخصصة للنفايات الحيوانية في مناطق الذبح والمشاعر أكثر من 3,500 حاوية، جرى تعقيمها وتجهيزها مسبقًا، كما تشرف فرق بيطرية وبيئية على طريقة نقل النفايات والتخلص منها بشكل آمن وصحي، عبر مدافن مخصصة تتوافق مع اشتراطات البيئة.
وتعمل الأمانة كذلك على تعزيز شراكاتها مع جهات متعددة، مثل وزارة البيئة والمياه والزراعة، وهيئة الغذاء والدواء، ووزارة الصحة، لضمان تكامل الجهود الرقابية والمعالجة السريعة لأي ملاحظات صحية أو طارئة، وقد أُنشئت غرفة عمليات مشتركة، تضم ممثلين من كافة الجهات المعنية، لمتابعة التقارير الميدانية وتنسيق التدخلات الفورية عند الحاجة، وأشادت تلك الجهات بجاهزية الأمانة، معتبرة أن نموذج العمل البلدي في مكة بات أحد النماذج الإدارية المتقدمة في التعامل مع المواسم الكبرى.
من جانب آخر، حذرت أمانة العاصمة المقدسة من التعامل مع الذبائح مجهولة المصدر أو الذبح لدى "الجزّارين المتجولين"، مشيرة إلى أنها رصدت وجود إعلانات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي تقدم خدمات ذبح غير نظامية، وتتعامل معها حاليًا فرق الأمن الغذائي بالتعاون مع الشرطة، كما نوهت إلى أن الذبح العشوائي لا يعرّض فقط صحة المستهلك للخطر، بل يخل بنظام النسك الشرعي والأمن البيئي، ما يستوجب التوعية والعقوبة في آنٍ واحد.
وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة هذا الموسم، ركزت الأمانة على اتخاذ إجراءات وقائية إضافية في مواقع الذبح، مثل تركيب أنظمة تكييف وتبريد خاصة، وتوفير استراحات مهيأة للعاملين، وتوزيع مياه الشرب والوجبات، إلى جانب التأكد من توفر المستلزمات الوقائية الشخصية، كما جرى تدريب العاملين على التعامل مع الإنهاك الحراري، ووضعت خطة طوارئ صحية مرتبطة بمراكز الدفاع المدني والهلال الأحمر المنتشرة في نطاق المسالخ.
تعكس هذه الإجراءات المتكاملة التزام أمانة العاصمة المقدسة برسالتها في الحفاظ على صحة الإنسان وسلامة البيئة، ضمن منظومة شاملة تتكامل فيها الرقابة والتوعية والبنية التحتية والتقنيات الحديثة، وهو التزام يتجدد سنويًا لكنه يتطور كل عام، مؤكدًا أن خدمة ضيوف الرحمن ليست مجرد واجب وظيفي بل شرف وطني تُسخّر له كل الإمكانات.