طلاب الطب والهندسة بنجران في مهمة وطنية بموسم الحج
طلاب الطب والهندسة بنجران في مهمة وطنية بموسم الحج
كتب بواسطة: احمد باشا |

في مشهد يجسد تلاحم العلم مع العمل الإنساني، شارك طلاب جامعة نجران في موسم حج هذا العام ضمن فرق ميدانية قدمت خدمات حيوية لضيوف الرحمن، مترجمين معارفهم الأكاديمية إلى أفعال ملموسة ساهمت في إنقاذ الأرواح وتيسير أداء الشعائر، هذه المشاركة التي تنظمها الجامعة سنويًا، اكتسبت طابعًا خاصًا هذا العام، حيث توسعت في عدد المشاركين وشملت تخصصات متعددة، أبرزها الطب، التمريض، والإسعاف والطوارئ، فضلًا عن تخصصات تقنية وهندسية دعمت العمليات اللوجستية والخدمية.

انخرط أكثر من 150 طالبًا وطالبة في أعمال ميدانية امتدت إلى مشاعر منى، وعرفات، ومزدلفة، إضافة إلى الحرم المكي الشريف، بالتعاون مع عدد من الجهات الرسمية مثل وزارة الصحة، وهيئة الهلال الأحمر السعودي، والدفاع المدني، حيث تم توزيعهم ضمن فرق مدربة ومجهزة، نفذوا خلالها مهام تتراوح بين تقديم الإسعافات الأولية، ومراقبة المؤشرات الحيوية للحجاج، والتدخل في الحالات الطارئة، وصولًا إلى مهام الترجمة وتيسير التواصل مع الحجاج غير الناطقين بالعربية.

وبرز في هذه الجهود تكامل الأدوار بين الطلاب، إذ عمل طلاب كلية الطب تحت إشراف كوادر صحية متخصصة على تقديم الرعاية الصحية في العيادات المتنقلة والمراكز الطبية المؤقتة، فيما تولى طلاب التمريض متابعة الحالات المستقرة والتعامل مع حالات الإجهاد الحراري وضربات الشمس، التي تزايدت مع ارتفاع درجات الحرارة في المشاعر، أما طلاب الإسعاف، فكانوا جزءًا من الفرق المتحركة التي تنقلت بين الحشود، متأهبة لأي طارئ يستدعي تدخلاً عاجلاً.

وعلى الصعيد الإنساني، روى بعض الطلاب تجاربهم المؤثرة خلال العمل الميداني، حيث تحدث أحدهم عن موقفه مع حاج مسن فقد وعيه في يوم عرفة، وتمكن بالتنسيق مع فريقه من إنعاشه ونقله إلى أقرب نقطة طبية، ليعود بعد ساعات لاستكمال المناسك، بينما ذكرت إحدى الطالبات أنها ساعدت حاجّة آسيوية كانت في حالة ارتباك شديد بسبب فقدانها الطريق، واستطاعت، بفضل إجادتها للغة الإنجليزية، تهدئتها ومرافقتها حتى التقت بمجموعتها، مؤكدة أن هذه التجربة الإنسانية ستظل محفورة في ذاكرتها أكثر من أي درس أكاديمي تلقته.

من جانبه، أكد عميد شؤون الطلاب بجامعة نجران أن هذه المشاركة تأتي في إطار تعزيز مفهوم التعلم القائم على خدمة المجتمع، مشيرًا إلى أن الجامعة وفرت تدريبًا مكثفًا للطلاب المشاركين قبل بداية الموسم، شمل مهارات التعامل مع الحشود، والإسعافات الأولية، والتواصل الفعال مع مختلف الجنسيات، كما تم التنسيق مع الجهات المعنية لضمان سلامة الطلاب وتوفير الدعم اللوجستي الكامل لهم طيلة فترة مشاركتهم.

ولم تقتصر جهود الطلبة على الجانب الصحي فقط، بل شملت أيضًا الدعم التقني والإداري، حيث ساهم طلاب الكليات الهندسية والحوسبة في تشغيل أنظمة التتبع الخاصة بالحافلات، وتنظيم جداول النقل، ورصد الكثافات في المواقع الحساسة، وذلك من خلال منصات رقمية طوّرها مركز الابتكار بالجامعة بالتعاون مع الجهات التنفيذية في الميدان، وقد أشاد المسؤولون في تلك الجهات بدقة وكفاءة هذه الأدوات، معتبرين أنها أسهمت في رفع كفاءة الاستجابة وتقليل زمن التدخل في الحالات الحرجة.

هذا وتعد تجربة جامعة نجران نموذجًا على كيفية توظيف رأس المال البشري من داخل الحرم الجامعي لخدمة الوطن وضيوفه، وهو ما يعزز الهوية الوطنية لدى الطلاب ويؤكد أهمية إشراكهم في الأحداث الوطنية الكبرى، ليس فقط كمتلقين للمعرفة، بل كمشاركين فاعلين في تقديمها ضمن سياقات عملية، وتؤكد إدارة الجامعة أنها ستواصل دعم هذه البرامج في السنوات القادمة، مع التوسع في التخصصات المشاركة لتشمل مجالات الإعلام، التغذية، والإدارة، بهدف تحقيق تكامل أشمل في منظومة الخدمات الميدانية للحج.

وقد لاقت مشاركة الطلاب تفاعلًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر عدد من الحجاج وذويهم عن شكرهم للطلاب والطالبات الذين قدموا صورة مشرفة لشباب المملكة، وأظهروا روح المسؤولية والانضباط، مع لمسة إنسانية تركت أثرًا بالغًا في قلوب من تلقوا خدماتهم، ويُنتظر أن تُنشر نتائج هذه المبادرة لاحقًا ضمن تقارير تقييم الأداء، التي ستأخذ بعين الاعتبار الأثر الأكاديمي والمهني والنفسي لمثل هذه التجارب.