خبير الموارد البشرية محمد المانع.
مهارات خفية تُحدد مصيرك المهني .. خبير موارد بشرية يكشف أسرار النجاح في سوق العمل
كتب بواسطة: احمد باشا |

في لقاء تلفزيوني لافت، سلّط اختصاصي الموارد البشرية محمد المانع الضوء على مجموعة من المهارات التي وصفها بأنها أصبحت ضرورية لأي خريج يرغب في دخول سوق العمل بقوة، وأكد المانع أن المؤهل الأكاديمي وحده لم يعد كافيًا، بل أصبح لا بد من إرفاقه بمهارات مهنية شخصية وتقنية تواكب متطلبات السوق المتغيرة بسرعة.

وأشار المانع، خلال ظهوره في برنامج "الراصد"، إلى أن كل خريج جامعي يمتلك تخصصًا أكاديميًا معينًا يمنحه الأساس النظري في مجاله، ولكن ذلك لا يضمن له الجاهزية الفعلية لمتطلبات بيئة العمل الواقعية، مؤكدًا أن هناك فجوة متزايدة بين ما تقدمه الجامعات وما يحتاجه أصحاب العمل في الواقع العملي.

وأوضح أن المهارات الناعمة أو ما يُعرف بـ "soft skills" أصبحت اليوم من أهم العناصر التكميلية التي تُميز المرشح للوظيفة عن غيره، لافتًا إلى أن هذه المهارات تشمل القدرة على تقديم العروض بفعالية، والتمكن من استخدام برامج الحاسوب الأساسية مثل "مايكروسوفت أوفيس"، بالإضافة إلى مهارات التواصل والعمل الجماعي وحل المشكلات.

وشدد المانع على أن هذه المهارات لم تعد مجرد إضافة تجميلية للسيرة الذاتية، بل أصبحت شرطًا ضمنيًا لقبول المتقدم في العديد من الوظائف، حيث يعوّل أرباب العمل على الموظف القادر على التعامل مع التحديات اليومية بروح مرنة وقدرات تقنية مناسبة، إلى جانب تخصصه العلمي.

وأضاف أن الشركات في مختلف القطاعات باتت تبحث عن الكفاءة الشاملة، مشيرًا إلى أن الشهادة الجامعية تمنح الشخص تأهيلًا نظريًا، ولكن القدرة على تطبيق هذا التأهيل في بيئة العمل تعتمد على المهارات المرافقة، وهي ما تصنع الفرق الحقيقي بين الخريج الجاهز وسواه.

وتابع المانع حديثه موضحًا أن المهارات الناعمة تتطلب تدريبًا وممارسة وليس فقط معرفة نظرية، فهي تنمو مع الوقت من خلال المشاركة في ورش العمل والدورات القصيرة والمواقف العملية، موصيًا الخريجين بالبدء مبكرًا في تنمية هذه القدرات قبل دخول سوق العمل رسميًا.

وفي ظل تسارع التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في بيئة الأعمال، أصبحت الإلمام بالبرمجيات المكتبية والتقنية التنظيمية جزءًا لا يتجزأ من أي وظيفة، بحسب المانع، الذي أشار إلى أن هذه المتطلبات لم تعد حكرًا على وظائف الحاسب الآلي أو الإدارة، بل أصبحت عامة في كل التخصصات تقريبًا.

وبيّن أن الجهات التوظيفية تقيّم المرشحين من منظور شامل، لا يقتصر على الدرجات الجامعية، بل يمتد إلى تقييم المرونة، والقدرة على التعلم السريع، والقدرة على التواصل بفعالية، مما يبرز أهمية التدريب على هذه المهارات بشكل موازٍ للتعليم الجامعي.

ويأتي هذا التصريح في وقت تشهد فيه أسواق العمل المحلية والإقليمية تحولات عميقة، ترتبط بتغير أولويات التوظيف ونماذج الإنتاج والعمل، حيث يزداد التركيز على الابتكار والمرونة والتعلم المستمر كعوامل حاسمة للبقاء والتطور المهني.

ويرى خبراء التوظيف أن سوق العمل الحالي يعاني من وفرة في التخصصات النظرية، مقابل نقص في الكفاءات العملية، وهو ما يفرض تحديًا كبيرًا على المؤسسات التعليمية، التي أصبحت مطالبة بتضمين المهارات العملية ضمن مناهجها الدراسية.

ويعكس حديث المانع إدراكًا متزايدًا لدى المتخصصين في الموارد البشرية بأهمية سد الفجوة بين التعليم وسوق العمل، وهي فجوة لطالما شُخصت دون حلول عملية كافية، الأمر الذي أدى إلى بطالة خريجين رغم امتلاكهم شهادات جامعية معتمدة.

وأشار المانع إلى أن الخريجين يمكنهم التفوق والتميز من خلال استثمار وقتهم في صقل مهاراتهم الشخصية، وهو ما يمكن أن يتم عبر الإنترنت من خلال مصادر تعليمية مفتوحة، أو عبر الانخراط في بيئات تدريبية تطوعية تمنحهم تجربة واقعية.

وأكد أن المبادرة الذاتية للخريج تُعد مؤشرًا قويًا على جاهزيته، مشيرًا إلى أن أرباب العمل يفضلون المرشحين الذين يملكون دافعًا داخليًا للتعلم والتطور، لأن ذلك يعكس رغبتهم في الاستمرارية والنمو داخل المؤسسة التي سينضمون إليها.

ويرى أن أهم ما يجب أن يدركه الخريج هو أن العالم المهني لا ينتظر أحدًا، وأن التطور الشخصي هو مسؤولية فردية في المقام الأول، داعيًا الشباب إلى استثمار المرحلة الجامعية في تطوير الذات بقدر ما يستثمرون في التحصيل الأكاديمي.

وختم المانع حديثه بالتأكيد على أن المهارات الناعمة قد تفتح للخريج أبوابًا كانت مغلقة، كما يمكنها أن تكون العامل الحاسم في الترقي داخل الوظيفة بعد التعيين، معتبرًا أن العصر الحالي هو عصر المهارة أكثر من عصر الشهادة.

ويُعد هذا النوع من التوجيه المهني مهمًا في وقت تتسابق فيه المؤسسات لتوظيف الكفاءات التي تملك مزيجًا من المعرفة النظرية والمهارة العملية، مما يجعل حديث المانع ذا صدى خاص لدى شريحة كبيرة من حديثي التخرج أو المقبلين على سوق العمل.

وتُظهر البيانات الصادرة عن مؤسسات التوظيف أن الشركات باتت تميل لتقليل التركيز على الشهادات الجامعية فقط، وزيادة الاهتمام بالمقابلات التقييمية والاختبارات السلوكية التي تكشف عن مهارات التفكير والعمل ضمن فريق.

كما بدأت بعض الجامعات في المنطقة بإعادة النظر في مناهجها ومقرراتها، ضمن مساعٍ لدمج برامج تدريبية مهنية خلال سنوات الدراسة، وهو ما يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح لتجسير الفجوة التي تحدث عنها المانع.