ضمن خطوات المملكة نحو التحول الرقمي وتعزيز البنية التحتية الذكية في جميع قطاعاتها، شهد موسم حج 1446هـ نقلة نوعية في تقنيات المراقبة والمتابعة الميدانية، بفضل الشراكة المتميزة بين الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) ووزارة الداخلية.
فقد تم دعم منظومة الحج بكاميرات ذكية بعيدة المدى مزوّدة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، بهدف رفع كفاءة الأداء، وتسريع عمليات الاستجابة، وتمكين الجهات الأمنية والخدمية من التعامل الفوري مع التحديات الميدانية في المشاعر المقدسة.
هذه التقنية المتقدمة التي تم تطبيقها فعليًا في مشعري منى وعرفات، جاءت استكمالًا لخطة تطوير منظومة "سواهر"، وهي منظومة وطنية ترتكز على الذكاء الاصطناعي لرصد وتحليل المشاهد الأمنية والحركية في مواقع شديدة الكثافة، كالمشاعر والمرافق الحيوية أثناء مواسم الحج.
وقد أظهرت الكاميرات الذكية خلال تشغيلها الأولي أداءً فائقًا في تغطية مساحات واسعة، مع قدرات عالية على تتبع الأفراد والمركبات، وتحديد أنماط الحركة، والتعامل مع الأحداث في اللحظة نفسها.
الخطوة تأتي في إطار التوجّه العام لتوظيف الذكاء الاصطناعي في دعم المشروعات الخدمية والأمنية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، ويُسهم في تحسين جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، حيث تُعد هذه الكاميرات بمثابة عين رقمية دقيقة، تعمل على مدار الساعة، وتقدم بيانات لحظية يتم تحليلها آليًا، بما يُساعد متخذي القرار على التدخل الفوري، ويُعزز من كفاءة توزيع الموارد والكوادر الميدانية.
وتعتمد هذه الكاميرات على تقنيات تحليل بصري متقدمة، تتيح لها اكتشاف التحركات غير المصرّح بها، ومتابعة سلوكيات الحشود، والتنبؤ بالمواقع المحتملة لحدوث التكدس أو التزاحم، مما يوفر ميزة استباقية مهمة تساعد في منع وقوع الحوادث.
كما أن بإمكان هذه الأجهزة التعرف على المتسللين من المناطق البرية المحيطة بالمشاعر، ورصد المخالفات التنظيمية، ما يدعم الجهود الأمنية في ضبط النظام وحماية ضيوف الرحمن.
في الوقت ذاته، أوضحت سدايا أن هذه التقنية ليست فقط أداة مراقبة، بل منصة معلوماتية متكاملة، تمكّن الجهات المعنية من فهم السياق الميداني بشكل أعمق، ومقارنة البيانات الزمنية، واستخلاص مؤشرات الأداء الحيوية، ما يعزز من مرونة القرارات ويُحسن الكفاءة التشغيلية للمواسم المقبلة.
ويُعد هذا الإنجاز جزءًا من مسار واسع تعكف عليه الهيئة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، لتوسيع نطاق استخدام حلول الذكاء الاصطناعي في قطاعات أخرى مثل النقل، وإدارة الحشود، والخدمات اللوجستية، والطوارئ.
وقد عكست هذه التجربة الناجحة مستوى الجاهزية التقنية العالي لدى المملكة، وقدرتها على استيعاب التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في خدمة الإنسان والمكان، وهو ما تجلّى بوضوح في مستوى الاستجابة السريع، ودقة التنبؤ، التي أظهرتها الكاميرات خلال الأيام الأولى من التشغيل الفعلي.
وتطمح "سدايا" في المرحلة القادمة إلى رفع عدد الكاميرات الذكية في المشاعر، وتوسيع نطاق التغطية الجغرافية، وربط هذه التقنيات بأنظمة تحليل مركزي موحدة، بما يُوفر رؤية شاملة دقيقة لمشهد الحج في لحظته، دون تأخير أو غموض.
ويُعزز هذا التحول النوعي من تحقيق أحد أبرز مستهدفات برنامج "خدمة ضيوف الرحمن"، والذي يطمح إلى تقديم تجربة حج فريدة، تتسم بالسهولة والكرامة والخصوصية والسلامة، وتُعبر عن مدى اهتمام المملكة بتطوير منظومة الحج من كافة الجوانب، سواء الأمنية أو التقنية أو التنظيمية.
كما يُبرهن على نجاح الشراكات الوطنية بين الجهات الحكومية في تحويل التحديات الميدانية إلى فرص ابتكار وحلول ذكية متقدمة.
من جهة أخرى، يعكس هذا التقدم رغبة المملكة في تصدير نموذجها الرقمي للعالم الإسلامي، كمثال على استخدام التقنية لخدمة الشعائر، واحترام قدسية المكان، وتحقيق راحة واطمئنان الحاج، من لحظة قدومه وحتى مغادرته، بما يُرسّخ مكانة السعودية كقلب العالم الإسلامي، وقائدة التحول الرقمي في خدمة الإنسان والدين.