أدار المركز العام للنقل، التابع للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، مرحلة الإفاضة من مشعر منى إلى المسجد الحرام، ضمن منظومة تشغيلية متكاملة صممت بعناية لتواكب تحديات الكثافة البشرية الهائلة التي تشهدها هذه المرحلة، والتي تُعد من أكثر المراحل تعقيدًا ودقة في موسم الحج.
وانطلقت عمليات الإفاضة من منى وفق خطة تشغيلية محكمة، استندت إلى عدة محاور رئيسية، أبرزها النقل الترددي المنظّم، والتفويج المرحلي، وتوزيع الضغط الزمني والمكاني، ما ساهم في تسهيل تنقل الحجاج وتقليل زمن الانتظار، وضمان أداء المناسك بانسيابية وراحة.
ومن أبرز مظاهر التنظيم، تشغيل 100 حافلة مفصلية بسعة 125 راكبًا لكل حافلة، لتوفير طاقة استيعابية تصل إلى 20,000 راكب في الساعة، عبر مسارات ترددية مخصصة للحافلات فقط، جرى فصلها عن حركة المشاة، مما انعكس إيجابيًا على زمن الرحلة التي تقلّصت إلى 20 دقيقة فقط، في واحدة من أسرع عمليات الإفاضة في تاريخ الحج الحديث.
ولعبت محطة غرب الجمرات دورًا محوريًا في إدارة هذه الحركة الضخمة، إذ استقبلت الحجاج القادمين من منى، وقامت بتحويلهم إلى مسارات النقل الترددي المباشرة المؤدية إلى المسجد الحرام، ضمن نظام تفويج دقيق يُنظم تدفق الحشود ويُحسّن جودة الخدمة.
كما شملت الاستعدادات المسبقة تحسين البنية التحتية لشبكة النقل عبر تطوير تقاطعات استراتيجية مثل شارع سوق العرب وتقاطع الجوهرة، مما ساعد في تنظيم حركة الحافلات بين عرفات ومزدلفة، وأسهم في خفض زمن الانتقال وتعزيز الانسيابية في أكثر مراحل النقل حرجًا.
وفي إطار رفع الجاهزية والاستجابة، أنشأ المركز بالتعاون مع شركة كدانة للتنمية والتطوير 71 مركزًا ونقطة طوارئ موزعة في مواقع حيوية داخل المشاعر المقدسة، لتمكين فرق الطوارئ والاستجابة من الوصول السريع إلى المناطق ذات الكثافة العالية أو محدودية الحركة، مما وفّر بيئة أكثر أمنًا للحجاج.
وتكاملت الجهود بين المركز العام للنقل والجهات الشريكة من خلال تفعيل أنظمة تفويج دقيقة، مثل نظام البطاقات الملوّنة المعتمد بالتعاون مع الخطوط الحديدية السعودية "سار"، والذي يُحدّد توقيتات صعود الحجاج إلى قطار المشاعر بشكل دقيق، ما يساعد على توزيع الكثافة وتقليل الزحام عند المحطات.
كما تم تفعيل الخريطة التفاعلية لمسارات تنقل الحجاج بين منى والمسجد الحرام، حيث تم توزيع الحشود على ستة مسارات رئيسية، أُغلق معظمها عند منتصف ليلة الحادي عشر من ذي الحجة، بينما استمر العمل في المسار الرابع حتى منتصف ليلة الثاني عشر، بما يُتيح مرونة تشغيلية تتكيف مع الواقع الميداني المتغيّر.
ولم تتوقف جهود المركز عند حدود مشعر منى، بل شملت تحسين الوصول والتنقل على الطريقين الدائريين الثاني والثالث في مكة، مما وفّر حلولًا ذكية للحركة خلال أوقات الذروة، وساهم في تسريع وتيرة الانتقالات وتنظيم تدفق المركبات والحافلات بين المشاعر والمواقع المحيطة.
وتجلّت نتائج هذه المنظومة الدقيقة في تحسين مؤشرات النقل بشكل لافت، إذ تم تقليص زمن التصعيد إلى مشعر التروية بـ4 ساعات كاملة، وخُفض وقت الانتقال المباشر إلى عرفات بمقدار ساعتين ونصف، وتم إنجاز التصعيد إلى عرفات بالكامل عند الساعة 8:46 صباحًا، في حين اكتملت أولى مراحل الإفاضة إلى مزدلفة في تمام الساعة 11:58 مساءً، ما يُبرهن على كفاءة التخطيط وجودة الأداء التنفيذي.
ويواصل المركز العام للنقل أداءه كمحور تشغيلي استراتيجي ضمن منظومة الهيئة الملكية، مستندًا إلى التكامل المؤسسي، والتناغم في الأداء بين الجهات المعنية، والاستفادة القصوى من معطيات التخطيط المسبق والتحكم اللحظي بحركة الحشود، ما يسهم بشكل مباشر في تحسين تجربة الحج ورفع جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة.