بدأت المملكة العربية السعودية تنفيذ قرار صرف "منفعة الأمومة" للأمهات العاملات بنسبة 100٪ من الأجر الشهري، ولمدة ثلاثة أشهر كاملة، في خطوة تشكّل تحولًا لافتًا في دعم المرأة العاملة وتعزيز استقرارها المهني والأسري.
القرار الجديد يشمل العاملات في القطاعين العام والخاص، في مؤشر واضح على جدية الدولة في تمكين المرأة في مختلف قطاعات العمل.
القرار يأتي ضمن مبادرات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير منظومة الحماية الاجتماعية، وإعادة صياغة العلاقة بين العمل والظروف الأسرية بما يحقق التوازن المطلوب، ويعكس اهتمام الدولة بجودة الحياة ودعم الأمهات خلال واحدة من أهم مراحل حياتهن.
وفقًا للتفاصيل الصادرة، فإن المنفعة الجديدة تُصرف للمرأة العاملة المشمولة بنظام التأمينات الاجتماعية، بشرط توافر مدة اشتراك لا تقل عن 10 أشهر قبل تاريخ الولادة، وهو ما يضمن استفادة النساء المستقرات وظيفيًا ويدفع لمزيد من الاستدامة في سوق العمل.
المنفعة تُموّل بالكامل من نظام التأمين ضد التعطل عن العمل "ساند"، ما يعني أن الدولة لم تُحمّل صاحب العمل أي أعباء إضافية، مما يحافظ على توازن العلاقة التعاقدية ويحمي مصالح الطرفين دون المساس بحقوق أي منهما.
هذه الصيغة الذكية تجعل من القرار نموذجًا متوازنًا بين المصلحة الاقتصادية والحماية الاجتماعية، وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدد النساء المؤهلات للاستفادة من هذه المنفعة يبلغ عشرات الآلاف سنويًا، ما يمهّد لتأثير اقتصادي واجتماعي واسع، لاسيما في بيئة العمل التي بدأت تستوعب بشكل متسارع وجود المرأة في مواقع متعددة، من المكاتب الإدارية إلى المهن التخصصية.
ولا يقتصر أثر القرار على دعم الأمومة فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشكل حافزًا إضافيًا للمرأة على الالتحاق بسوق العمل والاستمرار فيه، دون أن تخشى على حقوقها أثناء فترة الحمل والولادة، وهي فترة عادة ما تكون سببًا في الانسحاب أو التردد المهني لدى بعض النساء.
ويعزز هذا التوجه من استراتيجية المملكة نحو تمكين المرأة كأحد أهداف "رؤية السعودية 2030"، حيث تسعى الدولة لرفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى مستويات تتوافق مع المعايير الدولية، وتراعي في الوقت نفسه الخصوصية الثقافية والاجتماعية.
وبصرف الأجر الكامل للأم العاملة أثناء فترة الأمومة، تُسهم المملكة في تقديم نموذج يُحتذى إقليميًا في حماية حقوق المرأة، خاصة أن كثيرًا من الأنظمة في المنطقة لا تضمن مثل هذا المستوى من الدعم، سواء من حيث المدة أو شمولية التغطية.
القرار يعكس أيضًا تحسنًا في وعي مؤسسات الدولة تجاه قضايا الموازنة بين الحياة المهنية والعائلية، وهو تطور كانت تطالب به منظمات المجتمع المدني والجهات المهتمة بشؤون المرأة منذ سنوات، وها هو يتحقق الآن برؤية تنظيمية واستراتيجية.
وبجانب أثره المباشر، يتوقع أن يُسهم القرار في رفع معدلات الإنجاب في المملكة بشكل غير مباشر، حيث تشير دراسات دولية إلى أن تأمين دخل الأم خلال إجازة الولادة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقرارات النساء المتعلقة بالحمل والإنجاب.
المرأة العاملة في القطاع الخاص كانت تعاني سابقًا من تفاوت كبير في سياسات الإجازة والمزايا أثناء الولادة، مما جعل كثيرًا من النساء يتجهن إلى العمل في القطاع الحكومي، أو يخرجن من سوق العمل نهائيًا. والآن، بتوحيد المنفعة على مستوى القطاعين، يتم تصحيح هذا الخلل.
وقد أكد خبراء في شؤون العمل والتأمينات أن القرار يُعد نقلة نوعية في تطوير بيئة العمل النسائية، ويعكس نضجًا في فهم الاحتياجات الواقعية للأمهات العاملات، ويؤسس لثقافة مؤسسية أكثر احترامًا لدور المرأة في المجتمع.
التطبيق الفعلي للقرار بدأ مطلع هذا الأسبوع، وتعمل الجهات المختصة على تسهيل الإجراءات إلكترونيًا، عبر منصة "التأمينات أونلاين"، لضمان سلاسة الخدمة وتسريع عملية الصرف دون تعقيدات بيروقراطية، وهو ما يعزز تجربة المستخدم ويزيد من كفاءة التنفيذ.
ومع هذا التغيير الجذري، تفتح السعودية صفحة جديدة في مسار دعم الأسرة والمرأة، تؤكد من خلالها أن سياسات التمكين ليست مجرد شعارات، بل خطط عملية تتجسد في قرارات تلمس حياة الناس وتعيد تشكيل الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المملكة.